فؤاد م فؤاد... وبائيات... طاعون جوستانيان

مارس 29, 2020



خلال حكم الأمبراطور البيزنطي سان جوساتنيان العظيم (وهذا لقبه، لا لقب حكمه، ولا أنا ممن يبجلون) في القرن السادس الميلادي، انتشر الطاعون الذي كُرّم بحمل الاسم الامبراطوري "طاعون جوستانيان"، رغم أنه استمر (أي الطاعون) اكثر من قرنين بعد أفول الأمبراطور العظيم، لكن ذروة موجته الأولى كانت في منتصف فترة جوستانيان الذي حمل لقب العظيم كونه أعاد احتلال معظم الأراضي التي فقدتها بيزنطة قبل عهده، ومن بينها مصر.
وكما جرت العادة (والتاريخ عادات متكررة)، فقد تدفقت الغلال من الأطراف الثرية بها إلى القسطنطينة، وكان على رأسها الحبوب، التي جاءت بها السفن محملة من مصر، ومع الحبوب جاءت الجرذان ومع الجرذان جاء الطاعون.
وتتابع الأسطورة، أن الطاعون الذي كان هدية مصر إلى العالم- وقتذاك- سبب مقتل اكثر من عشرة ملايين مواطن امبراطوري وخارج حدود الامبراطورية، ويذهب البعض مذهباً أكثر مغالاة، ويقول بفناء ثلث اوربا، ويزعم أنه السبب في انهيار الامبراطورية وبدء زمن العصور الوسطى.
وطاعون جوستانيان هذا كان الجائحة الأولى من ثلاث جائحات للطاعون، يقول مؤرخو الأوبئة، أنها ضربت أوربا والعالم القديمة، أشدها فتكاً هو ماعرف بالموت الأسود في منتصف القرن الرابع عشر.
لكن بحثاً شيقاً وشاقاً قام به مجموعة من الباحثين في العام 2019 ونشر في المجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم Proceedings of the National Academy of Sciences of the USA يذهب تماماً عكس مذهب المغالاة هذا. فقد عمل فريق ضخم على مراجعة أكوام من الوثائق القديمة وأوراق البردي والعملات واللقى الأثرية، والمخطوطات، بل وتتبعوا أيضاً ال DNA للبكتريا الشهيرة والمعروفة باسم Y. Pestis والمسؤولة عن مرض الطاعون، ولم يعثروا على مايدعم نظرية التغير الديمغرافي أو الانهيار الأقتصادي أو الإبادة الكارثية التي زُعم أن المرض أحدثها في القرن السادس في حوض المتوسط واوربا. وهم يقولون (أي الباحثين) أن الإدعاء بأن الاتجاه إلى المدافن الجماعية التي عثر عليها، هو دليل على انتشار الطاعون، هو امر مشكوك فيه، والأمر الأقرب لشرح ظاهرة الدفن الجماعي يأتي من البحوث الانثروبوجية، التي تعزو الأمر لظاهرة هوياتية اجتماعية أكثر من كونها دليلاً على انتشار المرض. يدحض مؤلفو البحث نسبة الثلث ( وفي روايات أخرى النصف) التي قيل أن الطاعون أودى بهم. ويقدرون أن نسبة الوفيات لم تتجاوز الواحد بالألف. لكنهم يقرّون أن هذه النسبة ليست سواء في كل أرجاء الامبراطورية، وأن مناطق كانت اكثر تضرراً من غيرها بالتأكيد. وبكل التواضع العلمي، يقترحون أبحاثاً أكثر على مستويات أضيق لبحث أثر هذا الطاعون وغيره من الأوبئة عبر التاريخ.
لمحبي هذا النمط من الجدل، ولهواة النوع، والضجرين من تمطط الزمن الحالي في بيوتهم؛ لهواة نظرية اختفاء العالم وقيامة يوحنا، رابط هذه المقالة
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6926030/

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة