الموضة

العمل الحر

التقنية

أحدث المواضيع

تحرش على مائدة التسامح

أكتوبر 22, 2020 اضف تعليق


عن المدن


 في النظر إلى ما صرحتْ به البريطانية كيتلين ماكنمارا، عن تعرضها لاعتداء جنسي من قبل وزير التسامح الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، أثناء عملها على إطلاق مهرجان "هاي" الأدبي في أبوظبي... يمكن القول إن القضية ليست في أن نصدق أو نكذب او نتحدث عن "مؤامرة" على وزير ينسب الى نفسه لقب التسامح... ما يمكننا التصويب عليه، أن ما تعرضت له المواطنة البريطانية يحصل كثيراً مع غيرها من النساء في العالم، الكثير من الشخصيات النافذة والمتمولة تخطط للسيناريو نفسه، في عالم التمثيل والإعلام والوزارات السياسية والجمعيات المدنية والأدبية، وفي الكثير من البلدان العربية، وحتى الغربية (هوليوود، ونوبل نموذجان)... ثمة في هذه الأوساط من يعتبر أنه بالمال والنفوذ والهدايا الفاخرة، يستطيع السطو على أجساد النساء وحياتهن وخياراتهن... بل أكثر من ذلك، كثيرات من "الساقطات" أو الانتهازيات، يطمحن أن يكن ضيفات على مائدة الوزير أو الأمير، وفي قصره وفي سريره وفي منتجعه، لغاية محددة، بانتظار ساعة الألماس او الشيك المصرفي او حتى الوظيفة أو الجائزة، هن جواري مودرن... ومن هذا المنطلق، إذا صحّت أقوال المواطنة البريطانية، يمكننا القول أن وزير التسامح الملقب بـ"شيخ القلوب" ربما توهم أن كل النساء "زي بعض"، وأن النفوذ والقصور والولائم تجعله معشوقاً. وإن قدراته تجعل التحرش والاعتداء مسموحيَن بالنسبة إليه، بل أحدهم قال من باب المزاح إن الوزير ربما يعتبر التحرش أحد بنود التسامح.


ما قالته المواطنة البريطانية في تفاصيله، أشبه بسيناريو فيلم هوليوودي. تحكي ماكنمارا التي درست اللغة العربية في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن SOAS، بعد دراسة العلاقات الدولية في جامعة "ساسكس"، وتخصصت في الدبلوماسية الثقافية كونها "تؤمن بالحوار والمشاركة"، أنها تلقت بعد وصولها إلى الإمارات في يوم عيد العشاق 14 شباط، مكالمة هاتفية من "شيخ القلوب"(لقب الوزير الإماراتي)، وقالت: "سألني عن حالتي، وطلب مني تناول العشاء معه"، وتضيف: "لقد كانت محادثة رسمية قصيرة للغاية.. لم يسبق أنه تحدثت معه أبداً عبر الهاتف ولا التقيته بمفردي، وافترضت أنه سيكون لقاءً مع بعض الإماراتيين البارزين بشأن المهرجان". ويوضح التقرير المطول الذي نشره الإعلام البريطاني أن ماكنمارا اعتقدت أن هذه ستكون فرصة لتتحدث مع الشيخ، حول قضية أحمد منصور، الشاعر المحكوم عليه بالسجن 10 سنوات بتهمة نشر منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي "تنال من مكانة وسمعة الإمارات"، كونها مُدافعة عن قضايا حقوق الإنسان. وتتابع أنها صُدمت عندما استقبلها الشيخ في فيلا الجزيرة بعناق وقدم لها ساعة مرصعة بالألماس، تبلغ قيمتها حوالى 3500 جنيه إسترليني. ثم جلس على الأريكة و"أشار إليّ بالجلوس إلى جانبه وفتح التلفاز وبدأ الحديث عن دونالد ترامب" و"طلب مني خلع حذائي وهو ما لم أفعله". و"بدأت بالحديث عن منصور (الشاعر) حيث اعتقدت أن اللقاء هو عنه، وبدا منزعجاً. ورد بغضب إنه من الإخوان المسلمين ولن يخرج من السجن. وهي صراحة غير معهودة". وفي التفاصيل، قالت ماكنمار: "كانت هناك مشكلة واحدة في ما يتعلق بالعمل مع أبوظبي، ففي الوقت الذي يشجع فيه مهرجان "هاي" على حرية التعبير، فإن منظمات حقوق الإنسان تنتقد الإمارات باستمرار بسبب قمعها للمعارضين".


ماكنمارا التي أوصلها سائق الوزير إلى الفيلا أو القصر، تقول، أن الشيخ، قدم لها النبيذ الأبيض، قبل أن يجلس بجانبها على الأريكة، ويبدأ في لمس ذراعها وقدميها. وتتابع "فجأة سألت على سبب وجودي هناك. شعرت بالسذاجة، كنت وحدي في هذه الجزيرة في مبنى خرساني مع هذا الرجل القوي الذي يتحكم في كل جانب من جوانب حياتي هناك، رحلاتي الجوية، تأشيرتي. أعلم أن هؤلاء أشخاص لا يمكنك أن تغضبهم، لقد قضيت وقتاً كافياً هناك لمعرفة قوته وتأثيره في بلد تُسمع فيه كل يوم قصص عن أشخاص اختفوا في الصحراء". وبحسب قول "ماكنمارا" أنها طلبت المغادرة، لكن الشيخ أصر على إطعامها وليمة من الأطباق، بما في ذلك فطيرة الراعي وشرائح اللحم ورقائق البطاطس. وتستطرد بالقول: "لقد بدأ الأمر فظيعًا حقًا. لقد أمسك بوجهي وبدأ في تقبيلي". وتدعي أن الشيخ أخذها في وقت لاحق في جولة في الفيلا، وبدأ في لمس ثدييها الى آخر السيناريو. في اليوم التالي، فرت "ماكنمارا" إلى إمارة دبي المجاورة، وأبلغت مسؤولاً قنصلياً كبيراً في السفارة البريطانية بادعاءاتها. وتقول إنها كانت خائفة من إبلاغ الشرطة المحلية بالحادث، بسبب سلطة الأسرة الحاكمة، قبل أن تغادر الإمارات في 23 فبراير، أي قبل يومين من افتتاح المهرجان. وانتظرت "ماكنمارا" حتى عودتها إلى المملكة المتحدة لإبلاغ الشرطة بالموضوع.


قضية المواطنة البريطانية ستأخذ الكثير من الجدل والبلبلة في الاعلام البريطاني والعربي، خصوصاً أن الوزير المتّهم يقود وزارة فيها الكثير من "التثاقف الحضاري" وجوهرها "رسالة"، وأتت فكرتها انطلاقاً من التسامح كـ"قيمة وطنية" و"اسلامية"، ومن هنا، على دولة الإمارات وضع القضية في الاطار القانوني والحقوقي والقضائي، وليس التكابر والاستعلاء أو التجاهل أو حتى الضغط، لأن خبر الاعتداء على الناشطة البريطانية، فجّر فكرة الوزارة وجوهرها.

فؤاد م فؤاد... وبائيات... طاعون جوستانيان

مارس 29, 2020 اضف تعليق



خلال حكم الأمبراطور البيزنطي سان جوساتنيان العظيم (وهذا لقبه، لا لقب حكمه، ولا أنا ممن يبجلون) في القرن السادس الميلادي، انتشر الطاعون الذي كُرّم بحمل الاسم الامبراطوري "طاعون جوستانيان"، رغم أنه استمر (أي الطاعون) اكثر من قرنين بعد أفول الأمبراطور العظيم، لكن ذروة موجته الأولى كانت في منتصف فترة جوستانيان الذي حمل لقب العظيم كونه أعاد احتلال معظم الأراضي التي فقدتها بيزنطة قبل عهده، ومن بينها مصر.
وكما جرت العادة (والتاريخ عادات متكررة)، فقد تدفقت الغلال من الأطراف الثرية بها إلى القسطنطينة، وكان على رأسها الحبوب، التي جاءت بها السفن محملة من مصر، ومع الحبوب جاءت الجرذان ومع الجرذان جاء الطاعون.
وتتابع الأسطورة، أن الطاعون الذي كان هدية مصر إلى العالم- وقتذاك- سبب مقتل اكثر من عشرة ملايين مواطن امبراطوري وخارج حدود الامبراطورية، ويذهب البعض مذهباً أكثر مغالاة، ويقول بفناء ثلث اوربا، ويزعم أنه السبب في انهيار الامبراطورية وبدء زمن العصور الوسطى.
وطاعون جوستانيان هذا كان الجائحة الأولى من ثلاث جائحات للطاعون، يقول مؤرخو الأوبئة، أنها ضربت أوربا والعالم القديمة، أشدها فتكاً هو ماعرف بالموت الأسود في منتصف القرن الرابع عشر.
لكن بحثاً شيقاً وشاقاً قام به مجموعة من الباحثين في العام 2019 ونشر في المجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم Proceedings of the National Academy of Sciences of the USA يذهب تماماً عكس مذهب المغالاة هذا. فقد عمل فريق ضخم على مراجعة أكوام من الوثائق القديمة وأوراق البردي والعملات واللقى الأثرية، والمخطوطات، بل وتتبعوا أيضاً ال DNA للبكتريا الشهيرة والمعروفة باسم Y. Pestis والمسؤولة عن مرض الطاعون، ولم يعثروا على مايدعم نظرية التغير الديمغرافي أو الانهيار الأقتصادي أو الإبادة الكارثية التي زُعم أن المرض أحدثها في القرن السادس في حوض المتوسط واوربا. وهم يقولون (أي الباحثين) أن الإدعاء بأن الاتجاه إلى المدافن الجماعية التي عثر عليها، هو دليل على انتشار الطاعون، هو امر مشكوك فيه، والأمر الأقرب لشرح ظاهرة الدفن الجماعي يأتي من البحوث الانثروبوجية، التي تعزو الأمر لظاهرة هوياتية اجتماعية أكثر من كونها دليلاً على انتشار المرض. يدحض مؤلفو البحث نسبة الثلث ( وفي روايات أخرى النصف) التي قيل أن الطاعون أودى بهم. ويقدرون أن نسبة الوفيات لم تتجاوز الواحد بالألف. لكنهم يقرّون أن هذه النسبة ليست سواء في كل أرجاء الامبراطورية، وأن مناطق كانت اكثر تضرراً من غيرها بالتأكيد. وبكل التواضع العلمي، يقترحون أبحاثاً أكثر على مستويات أضيق لبحث أثر هذا الطاعون وغيره من الأوبئة عبر التاريخ.
لمحبي هذا النمط من الجدل، ولهواة النوع، والضجرين من تمطط الزمن الحالي في بيوتهم؛ لهواة نظرية اختفاء العالم وقيامة يوحنا، رابط هذه المقالة
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6926030/

عبدالوهاب بدرخان...دروس أولية للوباء: "تصحيح" السياسات بأنسنتها

مارس 29, 2020 اضف تعليق

نهاية الفيروس، متى؟ سؤال ثلاثة مليارات انسان ملتزمين #خلّيك_بالبيت، ولا إجابة عنه. دراسة "إم آي تي" تعوّل على تراجعه لا على اختفائه بحلول الصيف وارتفاع الحرارة، مع الإشارة الى أن مواعيده متفاوتة وليست مضبوطةً بروزنامة دولية موحّدة، وإذا صحّ التوقّع فإن الصيف سيخدم المَوَاطن التي تشهد غزواً معتدلاً نسبياً من الفيروس أكثر مما سيرأف ببؤره الأميركية والأوروبية الراهنة، بعد تقدّمها على الصين كمنشأ وموطن متعارف عليهما لـ "سلالة كورونا". أكثر ما تعلّمه العالم في الأسابيع المنصرمة هو عدم اليقين، وتساوي انعدام الثقة في الحكومات كما في الأرقام، فـ "العدو" ليس كائناً يمكن "التفاوض" معه، متساوياً بذلك مع الفيروس الآخر - "داعش" في كونهما لا يتقنان سوى صناعة الموت، ولا سبيل معهما سوى القضاء عليهما.
حتى الآن لم يقتل "كورونا" مقدار ما قتل "داعش"، لكن بعض التقديرات الحسابية يعطي أرقاماً مرعبة للضحايا، بعضٌ منها مليوني أو أكثر. استطاع "داعش" أن يربك حكومات ويخيف شعوباً خارج بؤرة سيطرته لفترة تقرب من عامين، واستلزم إضعافه تحالفاً دولياً وقبولاً ضمنياً بقواعد اشتباك تجيز عملياً نهج الإبادة، أما الفيروس فبلبل الحياة الدولية الى حدّ لم تبلغه سابقاً أي دولة كبرى، وقد تعذّر نشوء أي تحالف حتى الآن رغم أن الوباء اجتاح كل الدول، لكنه دهم العالم وهو في ذروة الانقسامات السياسية والتأزّمات الاقتصادية. وكما يقال عن الكائن الإرهابي إنه لا يزال يقتل لأن له فلولاً وجيوباً، كذلك سيقال عن "كوفيد 19" أنه سيكمن وربما يعاود الظهور بقوّة حيثما تتوفّر له ولن يضعف أو يتراجع بشكل ملموس إلا بعد ظهور اللقاح وتصنيعه وتوزيعه، وفيما يتعجّل العالم هذه العمليات ليس واضحاً كيف ستتمرحل زمنياً.
هذه المقارنة بين الكائنين الفيروسي والارهابي قد تكون مبالِغة ولا داعي للإطالة فيها، لكن المفكّرين - وقد مسّت الحاجة إليهم هذه الأيام لتفسير حال العالم - باتوا يضعون جائحة "كورونا" جنباً الى جنب مع/ أو يعتبرونها الإضافة المستجِدّة الى كل المخاطر المميتة التي تشهدها الإنسانية: من الأسلحة النووية الى انفلات التعصّبات، ومن الحروب الأهليّة المدوّلة الى الاختلالات الاقتصادية وأزمة المناخ. بل إن الوباء والتعصّب الارهابي يبدوان أسوأها، إذ لا يخضعان لأي ضوابط أو قواعد، وإذا كان متفقاً على أن الإرهاب نتاجٌ لاحضاري فإن الوباء بات يُقدَّم على أنه نتاج عولمي أي "حضاري" بمعنىً ما. وهذا مجرّد جانب لا يزال مشوّشاً مما يفكّر من تحوّلات "ما بعد كورونا".
ماذا يُفهم من الإجراءات الدولية المتخذة في مواجهة الوباء؟ أمران: الأول، أنه لن يفارق حياة البشرية قريباً. والآخر، أن التعايش معه يفرض نفسه شيئاً فشيئاً. لن يفارق، أي أنه ككل الفيروسات يمكث وبما أنه انتشر بفعل جهل أولي لطبيعته والتقليل من احتمالات عدواه. أما التعايش معه فلا يعني قبولاً طوعياً أو قسرياً لقوافل المتوفين لكنه استوجب تدخلاً سلطوياً حاسماً لفرض حجر منزلي غير معهود بغية إيصاله الى ذروته اصاباتٍ ووفياتٍ، على أمل أن تُستأنف الحياة نصف/ أو شبه الطبيعية في أقرب الآجال وفي انتظار اللقاح الذي سيجعل من "كوفيد 19" لاحقاً عضواً جديداً في كوكتيل الانفلونزات الكامنة التي لا تزال تفتك بعشرات الألوف سنوياً.
من يقرأ جيدا البيان الختامي لمجموعة الـ 20 بعد قمّتها الافتراضية لا بد أن يخرج بهذا الاستنتاج، فهذه الدول مدركة من جهة أن إزالة خطر الفيروس ليست في متناولها لكنها قرّرت دعم كل ما ومَن يساهم في وقفه، وهي معنيّة في المقابل بتسخير إمكاناتها لإحباط تداعياته على الاقتصاد والتجارة وإلا فإن الفيروس سيستكمل اجهازه على حياة البشرية برمّتها. وإذ كان "الانسان أولاً" شعار هذه القمّة و"حماية الأرواح والحفاظ على الوظائف" من أبرز عناوينه، فإنه شكّل صدىً للهواجس المحتدمة اجتماعياً، وللنقاشات في البيوت المغلقة والمواقع المفتوحة، وكلّها يتمحور على الانسان ومصيره. هل جاءت توصيات القمة كافية ومطمئنة؟ الأرجح أنها قدّمت تشخيصاً أولياً لكارثة لم يظهر معالمها كاملة بعد، ولذلك فإن الرؤية الشاملة لاستجابة الدول الـ 20 قد تتبلور أكثر خلال المتابعة. كانت معاناة اللاجئين والمهجرين تستحق تسليطاً أكبر للضوء، وكان يُفترض التركيز على وقف الصراعات المسلحة لأن يستكمل من جهة نيات المعالجة الشاملة للأزمة ويمنع من جهة أخرى انفلات المتقاتلين في استغلال ظروف الوباء.
الأمر الآخر الذي يبدي العالم أنه تعلّمه يحتاج الى وقت كي يتأكّد. انه "الإنسانية" وإعادة الاعتبار لها في المجالات التي ثبت اختلالها بسبب نأيها عن البعد الإنساني، لا سيما السياسة والاقتصاد. بيل غيتس يرى في الفيروس الهائج "مصحِّحاً عظيماً" لـ "أخطائنا" أكثر مما هو "كارثة كبرى" مشيراً الى أخلاقيات يفترض أن المحنة استعادتها أو يجب أن تستعيدها بمزيد من الأنسنة واحترام الطبيعة. لكن فكرة "التصحيح" تكاد تكون نقطة تقاطع بين غيتس والمنظّر ديفيد أيك الآتيين من منطلقات متناقضة تماماً، إذ يذهب أيك في نظرية المؤامرة الى حدّ اعتبار أن الأقلية التي تتحكم بالعالم تتهيّأ للاستفادة من أزمة الفيروس بتصحيح أوضاع تحكّمها بالسياسة والثروة. في حين أن ادغار موران يأمل بتغييرات تساعد الإنسانية على إعادة تخليق ذاتها لتصحيح "القيم التي كنا نعيشها قبل قدوم الفيروس". وبكلام آخر، يتعذّر معالجة أزمة "كورونا" وتبعاتها من دون تغيير السياسات، أي من دون اخماد توحش المنافسات على الثروة والسيطرة. هل هذا تغيير متوقّع؟! لعل الخشية من تصاعد المطالبة بـ "الإنسانية المصحّحة" تفسّر أسباب تعجّل الرئيسين الأميركي والصيني لإعلان نهاية الوباء.

عبدالوهاب بدرخان...عن السياسة في زمن "كورونا"

مارس 09, 2020 اضف تعليق


ليس أسوأ من الكوارث الطبيعية والأوبئة على حياة البشرية، وإذ ترتبط الأولى بعوامل أمكن للعلم أن يفسّرها وحتى أن يستبقها أحياناً، إلا أنه في حال الكائنات المجهرية والفيروسات قلّ ما يتمكّن من الاستباق على رغم التقدّم التكنولوجي وبلوغ الذكاء الاصطناعي الذي بات في نظر صانعيه محور المستقبل.
وحده الاستبداد السياسي ينافس الطبيعة على كوراثها والحيوانات على أوبئتها، وكأنه ممثلها الشرعي الوحيد في عالم الانسان. الزلازل مثل التسونامي مثل البراكين صاخبة في قتلها وتدميرها وتشريدها للناس. الأوبئة كالـ "كورونا" صامتة غير مرئية لكنها تتسلل من حيث لا يدري أحد وتقتل وتثير الهلع فتقفر الساحات والشوارع والمدارس والملاعب. الاستبداد يفعل كل ذلك بخليط من الصخب والصمت، وعلى رغم الضوابط الإنسانية التي توضع لردعه إلا أنه يتخطاها جميعاً ليستمر متمتعاً بالقتل والتدمير والتهجير، ولا يشبهه إلا الإرهاب الذي يتحدّر من "سلالته".
في مناطق الزلازل تبنى العمارات بمواصفات تمكنها من الصمود وعدم السقوط، وأصبحت هناك أنظمة انذار مبكر لحالات التسونامي والأعاصير وتفجّر البراكين. أما الأوبئة فلا يمكن أن تواجه إلا بعد أن تحلّ وتفعل فعلها، وتتفاوت فترة انتظار اللقاح بين حال وحال، بل يحدث أن يكون الفيروس من الخبث والمكر بحيث أن تفشّيه يتيح له تحوّلاً ذاتياً فيُفشل إمكان حصر أعراضه، كما بدأ يقال الآن عن "كوفيد - 19". ليست هناك لقاحات للاستبداد، على رغم أن تكراره تاريخياً كثّف البحث عن وصفات "ديموقراطية" ودساتير وقوانين لعلاجه، إذ لا يزال يتسبّب بحروب أزهقت من الأرواح ما يناهز ضحايا الموت الأسود والطاعونين الأنطوني والجستنياني والحصبة والجدري التي صنعت أهوالاً في تاريخ الأوبئة منذ بداياته الى اليوم.
الكائن المجهري الذي غزا العالم في غضون ستة أسابيع سلّط الضوء على هشاشة القوة العظمى التي يمكن أن تتّصف بها أي دولة كبرى. فقد تكون الأكثر تقدماً وتجهيزاً واستعداداً لمواجهة أي طارئ، لكنها تبقى عاجزة أمام عدو مجهول غير مرئي، فلا بدّ من تشخيص الداء ليوضع الدواء. هذه دول تقيس استقرارها بحيوية اقتصادها وزيادة انتاجيتها وحركة الحياة العامة فيها، لكن صرامة انتظامها تتأثر سريعاً كما حصل في الصين، وكما يُخشى في البلدان الغربية التي تفكّر بأسوأ السيناريوات فيما تحاول التزام وتيرتها العادية. تشاء المفارقة أن يكون القلق والهلع أقلّ في البلدان غير المستقرّة، كما لو أن هذه الأخيرة موبوءة على الدوام، فلا يُرتجى من اقتصادها وانتاجيتها أكثر مما هو ضروري للعيش الموقّت الدائم.
قد يتصوّر الشخص العادي أن اتخاذه الاحتياطات اللازمة من النظافة والتعقّم يكفي لمواجهة الفيروس، وعندما يسمع اخبار الغاء الفعاليات واغلاق المدارس ونصائح بعدم السفر والتنقّل والتخالط مع الناس ربما يتخيّل أن السلطات تفضّل هذه الإجراءات لمجرّد التحوّط لكنه عندما يرى المواد التموينية تنفد بشكل غير مسبوق فإنه سيشك بأنها تخفي عنه ما تعرفه عن الوباء وسيشعر بدوره بالهلع. ثمة روايات وأفلام كثيرة ("عدوى"، "قطار الى بوسان"، يوم القيامة"...) تخيّلت مشاهد مفزعة لما يمكن أن يحدث في حالات الهلع الجماعي، وأعادتها "كورونا" الى الذاكرة الراهنة.
عندما وقع الاتفاق التجاري "التاريخي" بين الولايات المتحدة والصين قيل إن الدولتين دخلتا هدنة في حرب مقلقة أشعلها دونالد ترامب وكادت تخرج من نطاق التجارة البينية البحتة لتتحوّل حرباً فعلية بالمعنى المتعارف عليه، ولا تنقصهما الذرائع لأن أزمتي كوريا الشمالية وتايوان دائمتا الحضور في خلافاتهما. تزامن توقيع الاتفاق، منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي، مع الأنباء الأولى من الصين عن انتشار فيروس "كورونا"، لكنه كان رُصد قبل شهر ولم تعترف به بكين إلا بعدما تزايدت حالات الوفاة. بين التكتم الإعلامي كتقليد درج عليه نظام الحكم، وبين لزوم الحفاظ على السمعة والحركة التجاريتين، لم يكن هناك استعداد صيني للإعلان عن الوباء رغم تجارب سابقة مع سلالة "كورونا" المقيمة ومنها "سارس" ونسيبها "انفلونزا الطيور".
عندما تأكد أن الأضرار الاقتصادية واقعة لا محالة لم يعد في امكان بكين أن تواجه الوباء إلا بإجراءات استثنائية. هنا بدا أن للنظام البوليسي المتشدّد "فضيلته"، وإلا فكيف يمكن محاصرة النطاق الجغرافي لبؤرة الفيروس والحجر على ما يزيد عن ستين مليون شخص. استطراداً راح مسؤولون أوروبيون يفكّرون في سيناريوات لإغلاق مدن وأقاليم إذا اشتبه بأنها صارت موبوءة، وهذا ما طبّق عملياً في بعض مناطق شمالي إيطاليا. في ايران انتشر المرض من أماكن الزيارات الدينية وازدادت الوفيات من دون أن تتمكن السلطات الصحيّة من حصره، ولعل التمثّل بالنموذج الصيني أدى الى اعلان أن "الحرس الثوري" سيتولّى مقاومة الوباء، ما يعني أن الحكومة فشلت في المهمة.
لم تخرج واشنطن عن صمتها إلا بعد صدور تقدير أولي يحدّد الخسائر الاقتصادية بتريليون دولار، ولم يظهر دونالد ترامب للتحدّث علناً عن خطر "كورونا" إلا بعدما تضاعف هذا التقدير ليبلغ ثلاثة تريليونات، مع توقعات بأن تزيد نظراً الى تأثر كل القطاعات بشكل مباشر أو غير مباشر. لكن جانباً من اطلالة ترامب كان مخصّصاً لإعلان أن اميركا تعمل على انتاج اللقاح المرتقب. الصين ودول أخرى كانت بدأت أيضاً السعي الى هذا اللقاح. ثمة سياسة وطموحات تجارية في هذا السباق، بعدما تبادل الجميع الاتهامات بعدم الشفافية في تبادل المعلومات عن وباء يُحتمل أن يفتك بمئات آلاف البشر أو أكثر، تماماً كما حصل ويحصل في الاشتكاء من سوء تبادل المعلومات المتعلقة بمكافحة الإرهاب وغيره من الأوبئة.

هل تنجح الجهود الروسية في إعادة تأهيل الأسد دوليًا؟

أغسطس 14, 2018 اضف تعليق

المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات | 
مقدمة
ما إن انتهت قمة هلسنكي بين الرئيسين الأميركي، دونالد ترامب، والروسي، فلاديمير بوتين، في 16 تموز/ يوليو 2018، حتى شرعت روسيا في حملة علاقات عامة على المستوى الدولي، سعت من خلالها الى إعطاء انطباع مفاده أنّ "الحرب" في سورية قد انتهت، أو قاربت نهايتها، وأنّ عمليتَي إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين والمهجرين السوريين إلى مدنهم وقراهم تُوشكان أن تبدآ. وكان الرئيس الروسي قد دعا، خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع ترامب، إلى ضرورة تعاوُن البلدان في معالجة الجوانب الإنسانية للأزمة السورية وتسهيل عودة اللاجئين والمهجرين السوريين إلى بيوتهم. 

وعلى الفور، أرسلت الخارجية الروسية فريق عمل إلى تركيا والأردن ولبنان، أكبر ثلاث دول تستضيف اللاجئين السوريين في المنطقة، لشرح "الخطة الروسية" المتعلقة بإعادة اللاجئين. وأشار رئيس مركز مراقبة الدفاع الوطني الروسي، الجنرال ميخائيل ميزينتسيف، الذي يبدو أنه بات مسؤولًا عن تنسيق الجهود الإقليمية من أجل إعادة اللاجئين السوريين من دول الجوار، إلى أنّ بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أكدت له أنه "يمكن أن يعود نحو 890 ألف مواطن سوري إلى وطنهم خلال الأشهر المقبلة"، وأضاف قائلًا: "أنشأت الحكومة اللبنانية فريقًا عاملًا لتشكيل لجنة مشتركة للتعاون مع سورية بخصوص عودة اللاجئين. وقد أفادت مراكز اللاجئين الإقليمية اللبنانية أنها تلقّت 10 آلاف طلب من مواطنين سوريين [يسعون] للعودة إلى وطنهم". وقال ميزينتسيف، أيضًا، إنّ الأردن "اتخذ عددًا من الخطوات لتشجيع أكثر من 200 ألف مواطن سوري على التعبير عن رغبتهم في العودة إلى أماكن إقامتهم الدائمة". 

لكن هذا الموقف الروسي الذي أوّل موقف موظفي المنظمة الدولية بحسب رغبته، وبما يبرر تفاؤله المعدّ سلفًا، اصطدم بموقف غير متحمس من الأمم المتحدة ووكالاتها المختصة؛ مثل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اللذين وجدا "تسرعًا" غير محسوب في الخطة الروسية، ما دعا المنسق الروسي إلى انتقاد وكالات الأمم المتحدة المختلفة واتهامها بأنها "تسترشد بموقف الغرب وتنتظر حتى يتغير هذا الموقف الغربي". وقد بدا الفتور الغربي غير مفهوم بالنسبة إلى روسيا التي اعتقدت أن إعادة اللاجئين السوريين ستمثّل نقطة جذب مهمة للسياسة الغربية، أو على الأقل لأوروبا تحديدًا؛ فموضوع الهجرة كان محور سياسات القارة الأوروبية منذ عام 2015 حين شهدت موجات غير مسبوقة من اللاجئين والمهاجرين، وقد كانت نسبة السوريين منهم كبيرة.

فهل هي خطة لعودة اللاجئين إلى منازلهم وبيوتهم "المدمرة"؟ أم هي إعادة بعضهم مشهديًا من أجل تأهيل نظام الأسد؟
خلفيات الخطة الروسية

منذ انطلاق الثورة السورية في ربيع عام 2011، مثّلت روسيا، لأسباب مختلفة، ظهير النظام السوري الرئيس على الساحة الدولية، ووفرت له الحماية في مجلس الأمن بدايةً من تشرين الأول/ أكتوبر 2011؛ عندما استخدمت حق النقض "الفيتو"، في المرة الأولى، بالتعاون مع الصين، من أجل منع صدور قرار يدين الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سورية ويهدد بإجراءات ضد حكومة الرئيس بشار الأسد. منذ ذلك الوقت، استخدمت روسيا حق النقض في الأزمة السورية 12 مرة، كان جميعها مخصصًا لحماية النظام من أي إدانة في مجلس الأمن. 

ولم تكتفِ روسيا بتوفير هذا الغطاء الدبلوماسي، بل قامت أيضًا بإمداد النظام بمختلف أنواع الأسلحة قبل أن تتدخل عسكريًا لمصلحته في أيلول/ سبتمبر 2015، بحجة فشل التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". ومنذ ذلك الحين، تمكّنت روسيا من منع إلحاق هزيمة محققة بالنظام وقلب موازين القوى في الصراع لمصلحته، والتحول إلى طرف رئيس في تقرير مستقبل حل الأزمة في سورية. وقد تبيّن أن هذا هو هدفها الحقيقي الذي يمنحها أوراقًا على الساحتين الإقليمية والدولية. 

ويثير التركيز على موضوع اللاجئين والمهجرين، وطرح خطة دولية تشرف روسيا على تنفيذها، أسئلة عن حقيقة الأهداف التي تسعى موسكو لتحقيقها في هذه المرحلة، علمًا أن روسيا استخدمت اللاجئين قبل ذلك سلاحًا في مواجهة الغرب والضغط عليه لتغيير موقفه من الصراع في سورية، إذ استهدف سلاح الجو الروسي استهدافًا مباشرًا المدنيين في مناطق المعارضة؛ لدفع أكبر عدد منهم إلى الهجرة وإغراق أوروبا بموجات منهم، الأمر الذي تسبّب بأزمة سياسية كبرى على صعيد الاتحاد الأوروبي، وأسهم في صعود التيارات اليمينية المتطرفة المعادية للأجانب التي استخدمت قضايا اللاجئين للحشد والتعبئة بهدف الوصول إلى السلطة (تعاطفت معها روسيا علنًا، وأبدت هي بدورها إعجابًا ببوتين وبشار الأسد)؛ كما حصل في ألمانيا، والمجر، وإيطاليا، وغيرها من الدول الأوروبية. والملاحظ، أيضًا، أن روسيا تستضيف العدد الأقل من اللاجئين السوريين، ومعظمهم يعاني أوضاعًا صعبة على الأراضي الروسية، ويعتبر هذه الأراضي منطقة عبور إلى الأراضي الأوروبية.

وفي محاولة لفهم حقيقة الأهداف الروسية من طرح خطة إعادة اللاجئين المهجرين السوريين، يمكننا أن نحيل على نقطتين رئيستين:

• النقطة الأولى: رغبة روسيا في جني أرباح التدخل في سورية، على الرغم من أنه لا توجد أرقام روسية رسمية متعلقة بالتكلفة البشرية أو المادية التي كابدتها روسيا في سورية، خصوصًا في ضوء استخدامها لشركات أمنية خاصة، مثل شركة "واغنر" المتعاقدة مع وزارة الدفاع، والتي تضم مرتزقة من الروس يقاتلون في سورية، من دون أن تدخل سجلاتهم في وزارة الدفاع الروسية، وقد سقط مئات من هؤلاء المقاتلين في سورية بحسب تقارير مختلفة. أما التكلفة المادية فتفوق، بحسب بعض التقارير، ثلاثة مليارات دولار أميركي؛ ولذلك ترغب روسيا حاليًا في الحصول على بعض العائدات في ضوء الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها بسبب العقوبات الغربية. وقد وجدت القيادة الروسية أن المدخل الوحيد لإقناع الأوروبيين بتقديم التمويل اللازم لعمليات إعادة الإعمار، التي تضطلع الشركات الروسية بجزء كبير منها، هو استخدام ورقة عودة اللاجئين السوريين التي تمثّل أولوية بالنسبة إلى دول أوروبية كثيرة أخذ الرأي العام فيها ينحرف يمينًا من جرّاء قضية المهاجرين واللاجئين.

• النقطة الثانية: رغبة روسيا في إعادة تأهيل نظام الأسد دوليًا. وفي هذا السياق، تدرك روسيا أن الحاجة الدولية إلى نظام الأسد ربما انتهت تمامًا، فقد استطاعت الولايات المتحدة، ومن خلفها الحلفاء الأوروبيون، استعادةَ معظم المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة، وعلى رأسها مدينة الرقة، من دون التنسيق مع النظام السوري أو التعاون معه؛ ومن ثمّ فقد استهلكت "ورقة محاربة الإرهاب" التي غالبًا ما كان يتذرع بها النظام السوري لدعوة الأطراف الغربية إلى الحوار معه، ولم يعد هناك سوى "ورقة اللاجئين"، بوصفها الورقة التي يمكن أن تغيّر الموقف الغربي كليًا من النظام السوري.

ورغم أنه لا يمكن استبعاد ارتفاع بعض الأصوات الهامشية الغربية التي قد تنادي بالحوار مع الأسد في المستقبل، باعتبار وجوده في الحكم أمرًا واقعًا بعد أن تمكّن من استعادة السيطرة على جزء كبير من الأراضي السورية، بالتعاون مع الحليفين الإيراني والروسي، سوف تكون التكلفة، أو الثمن السياسي لهذا الحوار، مرتفعة جدًا؛ فالأسد اليوم في عين المجتمع الدولي، ربما باستثناء الموقفين الروسي والإيراني، هو مجرم حرب، بسبب ما ارتكبه من جرائم ضد الشعب السوري، وهذا ما تؤكده عشرات التقارير الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ولجنة التحقيق الدولية المستقلة، وغيرها من هيئات ومنظمات دولية؛ ما يعني أنّ أي دعوة إلى لقاء الأسد، أو مساعدته، أو الحوار معه، ستكون مكلفة. لذلك يرجح أن تصطدم محاولة روسيا إعادةَ تأهيل النظام السوري بعقبة رئيسة متمثلة بالرأي العام الغربي الذي لن يتقبّل بسهولة عملية شرعنة "مجرم حرب". 

وفوق ذلك يجب على روسيا تجاوز مجموعة من التشريعات والقوانين التي سنّتها البرلمانات الأوروبية وكذلك الكونغرس الأميركي، والتي تجعل أي اتصال بحكومة الأسد، أو حتى طرح موضوع رفع العقوبات عنه، أمرًا غير ممكن في ظل الظروف الراهنة، وقبل التوصل إلى حل سياسي عادل للأزمة السورية.

ورغم أن الرئيس ترامب يُبدي تجاوبًا أكبر مع اهتمامات الرئيس الروسي المتعلقة بإعادة اللاجئين والمهجرين، وفقًا لأجندته الدعائية والانتخابية التي تستهدف المهاجرين واللاجئين في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن جهات أخرى في الإدارة الأميركية تبدو، في أحسن الأحوال، غير متحمسة للخطة الروسية. وهذا يفسر الرد الفاتر الذي تلقّاه رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية من نظيره الأميركي على الرسالة التي دعاه فيها إلى المشاركة في عملية إعادة الإعمار في سورية. لقد أشار اقتراح رئيس هيئة الأركان الروسي بواقعية إلى افتقار النظام السوري إلى المعدات والوقود والتمويل اللازم لإعادة بناء البلاد من أجل عودة اللاجئين. فكان الرد الأميركي على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية أنّ الولايات المتحدة "لن تدعم عودة اللاجئين إلا عندما تكون آمنة وطوعية وكريمة". وواقع الحال أنّ ملايين اللاجئين السوريين لن يختاروا العودة طواعية إلى بيوتهم، لأنه ببساطة لم يعد لديهم بيوت حتى يعودوا إليها بعد أن دمّر الأسد بيوتهم وقراهم ومدنهم، كما أنهم لا يضمنون، ولا يضمن لهم أحد، سلامتهم الشخصية من الاعتقال والتنكيل، في حالة العودة.

حتى الآن يبدو الموقف الغربي صلبًا بخصوص إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، إذ يجري ربطه ربطًا وثيقًا بموضوع الانتقال السياسي. وفي الحال التي لا يكون فيها انتقال سياسي، لن تساهم الدول الغربية، في ما يبدو، في دفع "أرباح جرائم الحرب" التي اقترفها الأسد ضد شعبه.

تضحيات الحريري بالثروة والحياة

أكتوبر 28, 2017 اضف تعليق

أحمد الغز   _اللواء      
تتزامن الذكرى الاولى لانتخاب الرئيس ميشال عون في ٣١ تشرين الاول مع الذكرى الخامسة والعشرين لتأليف الرئيس رفيق الحريري حكومته الاولى في ١ تشرين الثاني ١٩٩٢ بعد نجاحه في اخراج شريحة  لبنانية كبيرة من التقوقع والانكفاء الذي أصابهم بعد عام ١٩٨٢ وإعادتهم الى فكرة الدولة والانتظام العام. تلك العملية الاستثنائية والجبّارة لم تقم على الخطابات والتغريدات، ولا على التصريحات النارية، ولا على شتم فلان او تهديد فلان. كانت عملية إنقاذية بامتياز، حملت الأجيال من الجهل والانعزال الى المعرفة والانفتاح.
نستطيع التعرّف على حقيقة هذه التجربة وثوابتها وإنجازاتها من خلال قراءة كتاب الوزير الفضل شلق «تجربتي مع الحريري». ربما يكون الأستاذ شلق هو الشخصية الوحيدة التي وثّقت تلك التجربة الوطنية النهضوية الاستثنائية  بأمانة عالية وبحيادية، تلك التجربة التي سمّاها بعض الخبراء الدوليّين مؤخراً في اجتماعات حول إعادة إعمار سوريا «خيارات حريرية»  "Hariri Choice”، واعتبار العملية الإنقاذية التي ابتكرها وقادها رفيق الحريري هي اشبه بمشروع مارشال الذي أخرج أوروبا من ويلات الحرب العالمية الثانية الى التقدّم والازدهار. 
كتاب الفضل شلق «تجربتي مع الحريري» له علاقة بالتجربة الحلم وتحدّياتها وإنجازاتها وتسوياتها، والذي يقول فيه الفضل أنّ الرئيس الحريري طلب منه العمل بميزانية مفتوحة اي من دون سقف انفاق، وطلب من مدير المحاسبة لديه وأمام آخرين أن يقتطع مصاريفه وعائلته وأبناءه وأهله، وأن يحوّل كلّ الباقي الى مؤسّسة الحريري من أجل التعليم. وهكذا كان. كما يقول الأستاذ الفضل في كتابه انه كان يتلقى كل يوم اتصالاً من الرئيس الحريري ليسأله عن «الغلّة» او الأرباح  اليومية، أي عن عدد الطلاب الذين حملتهم الطائرات اليوم الى ارقى جامعات العالم أو الذين دخلوا الى الجامعات العريقة في لبنان.
حاولت مراراً إقناع الصديق الفضل شلق بترجمة ذلك الكتاب الوثيقة إلى عدة لغات، والذي اعتمد أسلوب السرد والسيرة الذاتية، والاستاذ الفضل مفكّر وكاتب كبير في الفكر والثقافة والتاريخ والاجتهاد والدولة والثورة، لذلك أحسن اختيار الاستشهادات والمواقف والمراحل والانجازات والاحداث بعقلية العارف أنّ هذا الكتاب هو من اجل ان يقرأه عموم الناس، لا بل من اجل ان يشاهده كل الناس. 
يبقى الشهداء بشهادة الأحياء الذين يشهدون بالحق ولا يزورون الإنجازات والحقائق من اجل المواقع او المنافع. ان الشاهد كريم كالشهيد، وهو غير ملوّث بالأنانيّة والذاتية البغضاء، والإنجازات ايضا تشهد للشهداء بإعادة الاعمار والازدهار وخصوصا قلب بيروت الآن الشاهد الصامت على الانجاز والاغتيال والذي يعاني من الظلم والتعطيل والخواء ،لأن الاوطان لا تبنى الا بالتضحية والكرم والعطاء. يجب ان نخاف على لبنان عندما يصبح عدم الوفاء ثقافة وطنية ومصلحة الطوائف فوق مصلحة الاوطان. 
أبناء العوام من المناطق اللبنانية البعيدة عن المدن شاهدوا رفيق الحريري عن بعد لعدم وجود علاقة طبيعية بين الأطراف والدولة المركزية في تاريخ لبنان. فالعلاقة بالمدينة وتشكيلاتها كانت امتيازاً للتقليد السياسي ثم للأحزاب وجماعة المخابرات، تسلل  رفيق الحريري الى عوام المناطق في حال بين الواقع والخيال، فدخل الى وجدانهم، ولم يدخل الى قراهم وبلداتهم الا من خلال بناتهم وأبنائهم المتخرّجين من أرقى الجامعات مسلحين بشهادتهم  وحق كلّ أبناء لبنان أغنياء وفقراء بالعلم والثروة وحكم البلاد . 
يبقى السؤال هل يستحق هؤلاء تضحيات رفيق الحريري بالثروة والحياة؟
ahmadghoz@hotmail.com


في الذكرى 27 لاغتيال الشهيد داني شمعون وعائلته/ يومان قبل الاغتيال

أكتوبر 23, 2017 اضف تعليق
أنطوان الخوري حرب

اليوم الذي سبق اغتيال الشهيد الكبير داني شمعون وعائلته. كان اليوم الأول الذي عدت فيه إلى منزلنا في عوكر عقب معركة 13 تشرين الأول 1990. كان اهلي في استقبالي والفرح ظاهر على وجه امي لكوني عدت سليما معافى من تلك المعركة المجزرة.
كان والدي حينها العضو في الجبهة اللبنانية التي كان شمعون يترأسها، منكبا على الاتصالات الهاتفية، وفهمت من أحاديثه أنه يفاوض أحد ما لتأمين سلامة رئيسه.
سألته عن الأمر فأخبرني أنه زار شمعون قبل يومين، وكان هذا لقائه الأول به بعد الاجتياح. فوجده في حال غضب جراء ما جرى. كما أخبره أنه كان آخر من التقى الجنرال مساء 12تشرين. بعد انصراف الجميع وخلو القصر الجمهوري من الزوار وحتى المعتصمين. فسأله عن الاحتمالات المتوقعة. فاجابه الجنرال بان الاجتياح السوري البري بغطاء جوي مستبعد جدا. ولا سيما بعد إعلان وزارتي خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل معارضتهما له. فاجابه شمعون بان اتصالاته تشير إلى عكس ذلك. وأن هناك من أخبره بأن الموقف الإسرائيلي ملتبس لأنه حصل على معلومة تفيد عن حصول اجتماع بين ضابطين كبيرين سوري وإسرائيلي قبل أيام في قبرص لمناقشة العملية العسكرية. كما انه علم بلقاء آخر حصل في إحدى البلدات الشوفية، بين رئيس الاستخبارات السورية في لبنان العميد غازي كنعان ومنسق الانشطة الاسرائيلية اوري لوبراني للغاية نفسها. تفاجأ شمعون بجهل الجنرال واستخباراته لهذين الاجتماعين لكن عون بادره بالقول أنه عمل حسابا لكل الاحتمالات، فهو يستبعد كليا سماح اسرائيل لسوريا باستعمال الطيران الحربي لان تفاهم "الخطوط الحمر لا يزال قائما بين الدولتين بإشراف اميريكي، والذي يبيح لإسرائيل القيام بطلعات جوية في الأجواء اللبنانية ويحرم ذلك على الطيران السوري. وأن هذا التفاهم هو السبب وراء بياني الحكومتان الأمريكية والإسرائيلية الرافضتين للاجتياح. وأن محاولة اغتياله بالأمس تعتبر تفسيرا واضحا لتعذر الاجتياح العسكري واستبداله بالحذف الشخصي.
ثم تناول الجنرال ورقة من على مكتبه مدون عليها قائمة تفرز المواقف الدولية من الاجتياح، وراح يعدد له المواقف المعارضة ومنها موقف الاتحاد السوفياتي. لكن ما استوقف الجنرال ليس هذا الموقف على أهمية الدولة التي تتبناه حينذاك. بل موقف الفاتيكان الذي كان يخالف موقفي البطريرك الماروني نصرلله صفير والسفير البابوي بابلو بوانتي المؤيدان للاجتياح. ثم علق بالقول: نحن آخر معقل سياسي مسيحي في الشرق، والفاتيكان يدرك أهميته ولن يقبل بالتفريط به. وأن ما يحكى عن صفقة سورية أميريكية تقضي بتسليم لبنان لسوريا مقابل تأييد سوريا السياسي والعسكري للحملة العسكرية الأمريكية على العراق، هي مجرد مناورة أميريكية على حافظ الاسد، والهدف منها تأجيل البت بالملف اللبناني الى ما بعد انتهاء معركة الكويت. حتى ان نتائج الحرب العراقية الأمريكية اذا ما وقعت، فلن تكون بالضرورة لمصلحة الولايات المتحدة.
 لم يقنع هذا الكلام شمعون كثيرا فقال لعون، صحيح انني لا املك من المعطيات اكثر مما لدي، لكن شعوري ينبئني بأن الاجتياح بات قريبا جدا، فما العمل اذا حصل، فاجابه الجنرال، اولا سنحتفظ بالحق بالمقاومة وسننقل ميدانها الى كل حي وشارع وبلدة عبر تنظيم المقاومة الشعبية. لكن احتمال الاستسلام امر خارج النقاش. وقد أعطيت أوامري لاركان الجيش بالتصدي للاجتياح .
كانت تلك آخر مرة يرى فيها شمعون عون، كما كانت تلك آخر محادثة بينهما. عاد بعدها الى منزل شقيقه دوري في بعبدا الذي كان يقيم فيه مؤقتا بعد تهجيره من منزله في الاشرفية من قبل القوات اللبنانية.
التقى في المنزل عبدو سمعان مرافقه الشخصي والمسؤول عن امنه وحمايته، وأثناء حديثه معه على الشرفة حول وجوب الانتباه من الخروقات الأمنية الاستخباراتية القواتية للمنطقة، في ظل الفوضى الأمنية التي سببها انهيار المؤسسات الأمنية والعسكرية جراء الاجتياح العسكري واستغلال هذه الفوضى من قبل الأجهزة الأمنية الميليشياوية للقيام باختراقات وتسللات إلى المنطقة. ثم نظر الى ناحية بيروت وقال لسمعان، "بدن يدفعوني تمن موقفي. انا باقي هون وما رح غير موقفي. تا شوف شو رح يعملو هالولاد ال..."
في ختام حديثنا، أخبرني والدي بأنه على موعد مع النائب الراحل قبلان عيسى الخوري، الذي كان قد تداول معه بالأمر. عارضا وساطة مع السوريين للحصول على ضمانة لامن داني شمعون الشخصي. لكونه كان صاحب موقف سياسي ولم يقم باعمال عسكرية او امنية اسوة بكل السياسيين المقيمين في منطقة الجيش. فطلبت منه مرافقته.
مررنا في طريقنا على منزل شمعون، وكان الجو المقلق ظاهرا على الحارسين الوحيدين الذين شاهدتهما يومها عند مدخل البناء. وقد علمنا لاحقا بان قيادة الجيش قد سحبت عناصر الحماية المخصصة للرئيس كميل شمعون. وقد بررت ذلك بأن هذا الأمر شمل معظم مرافقي الشخصيات السياسية.
صعد والدي إلى منزل شمعون في الطابق الاخير، فيما انتظرته في السيارة ليعود بعد حوالي نصف ساعة، ولننطلق مباشرة إلى منزل الخوري في الأرز عبر طريق البقاع.
في الطريق إلى زحلة كنا نشاهد ارتال الآليات السورية المنتشرة على الطرقات المؤدية إلى منطقة بعبدا، مقيمة حواجز التفتيش تحت صور رئيسهم وعلمهم. فشعرت لأول مرة بجو احتلالي حقيقي لم اعرفه من قبل، رغم تجوالي في مناطق سيطرة السوريين خارج "الشرقية" سابقا.
بوصولنا إلى زحلة عصرا، توجه الوالد الى قاعدة رياق الجوية ليلتقي أحد ضباط الأمن فيها. والذي ارسل معنا دورية رافقتنا إلى فتدق القادري حيث أجرى والدي اتصالات بشمعون وعيسى الخوري، وتم الاتفاق على أن يطلب والدي هاتفيا شمعون من منزل عيسى الخوري ليتكلم معه في تمام الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي.
بتنا ليلتنا في الفندق وانطلقنا صباحا بمرافقة دورية الأمن إلى الأرز. وبوصولنا إلى منزل عيسى الخوري، لاقانا شقيقه بهجت عند المدخل مقربا الراديو من اذنه والصدمة بادية على وجهه. في نفس اللحظة وقبل ان نستوعب شيئا مما يحصل، وفيما ندخل الصالون وراءه دخل شقيقه قبلان مستفسرا عما يجري، فجلسنا ورفع بهجت صوت الراديو وسمعنا كلنا الخبر الفاجعة. فعلق قبلان عيسى الخوري بعبارة واحدة :"سبقونا ولاد..."
نظرت الى والدي فرأيته قد غرق في كرسيه متلاشيا وكأنه قد اسقط من يده، وبدأ محبطا وقلقا. تلك الجريمة بفظاعتها لم تكن متوقعة بهذه السرعة والسهولة. لكن في نهاية الأمر بقي ذلك النمر في مواجهة قدره خلال الفترة الخطيرة التي تعقب كل هزيمة عسكرية، حيث تسهل الانتهاكات وتصعب الملاحقات، بينما كان بإمكانه السفر إلى الخارج غداة 13 تشرين اسوة بما فعله غيره من الذين أقل خطورة وأهمية منه بكثير.
لقد كان واضحا من أسلوب الجريمة انه من مدرسة معروفة. فقتل الاطفال والنساء حدث في مجزرة اهدن، كما حدثت محاولة مماثلة لكن فاشلة في مجزرة الصفرا. وينطبق هذا الوصف ايضا على استشهاد مايا بشير الجميل.
لقد اختص الموارنة في هذه السلوكية الإجرامية عند تصفية حساباتهم الداخلية خلال السباق إلى صدارة الزعامة. ولا يمكن لهذه الأحداث الا ان تحفر عميقا في الوجدان المسيحي، فلا نعود نسمع ابن أحدهم اليوم يدافع عن مجازر ابيه ويعلن استعداده لتكرارها.
لقد سلم الفرنسيون الموارنة عام 1920، نظام الامتيازات المسيحية الشبه رئاسي. فبدل أن يضعوا صلاحياتهم وقوتهم ومميزاتهم الاجتماعية والثقافية والحضارية في خدمة مشروع الدولة العصرية، قاموا بوضع الدولة في خدمة مصالحهم الشخصية الرخيصة. فباستثناء الرئيس فؤاد شهاب، لم يتوانى اي رئيس للجمهورية عن محاولة تجديد او تمديد ولايته الرئاسية، متلاعبا بالدستور ومستخفا بالمؤسسات الدستورية، ناهيك عن الفساد واستغلال المال العام لتكريس الثروات وتوريث مقدرات الدولة للاقارب. مما جعل المارونية السياسية مرضا سياسيا ولعنة على الوطن بدل ان تكون منارة لميزة لبنان الحضارية في محيطه والعالم.
كان الهدف من اغتيال داني شمعون حذفه من ساحة المنافسة السياسية بعدما هزم الجنرال وتفرق الحلفاء وبقي وحده في المنطقة متحولا بصورة فورية وتلقائية في 13 تشرين إلى غطاء ومظلة وحاضنة لكل تلك الحالة الشعبية التي كانت مشتعلة وطنية حتى آخر لحظة في منطقة الجنرال.
عندما يدخل الإجرام في خدمة المصالح السياسية الشخصية، يستحيل ان تكون حسابات صاحبه سليمة. وقد شهدت السنوات اللاحقة لهذه الجريمة صحة هذه القاعدة

لماذا أحب جبران باسيل؟ أحمد عدنان

أكتوبر 23, 2017 اضف تعليق

 ( عكاظ) 23 أكتوبر، 2017 
    
كل ذي نعمة محسود، وينطبق هذا المثل على قبطان الوزراء اللبنانيين وفحلهم ويعسوبهم ودرتهم وقريعهم وباشهم ووجههم وجهبذهم، معالي وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل.
الهجوم لا يتوقف على وزير لبنان وقلعته وصخرته وأرزته وجبله وواديه وسهله وفيروزه وجبرانه، وهذا الهجوم رفع الوزير المظلوم إلى مصاف الصالحين، وكأنني أراه يتمتم وهو يقرأ سيل الهجمات المتوالية والمغرضة عليه: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
ورغم كل هذا التجني والتعسف في قراءة فلسفة وفكر وثقافة وإنجازات وعلامات وشواهد وملامح وآثار الوزير المبجل والمحترم والمقدام الهمام إلا أن المنصفين أمثالي يكنون لمعاليه حبا لا يتزعزع ولا يرتعش، فلماذا أحب جبران باسيل؟ بل لماذا هناك إجماع على حب جبران باسيل عند أولي الألباب؟!.

السبب الأول، أنه وجه السعد على محيطه، اتهموه بأنه وصل إلى الوزارة لأنه صاهر العماد ميشال عون، وهذا غير صحيح، قبل المصاهرة المباركة كان الجنرال منفيا، وبعدها أصبح زعيم المسيحيين الأول عبر صناديق الاقتراع ثم رئيسا للجمهورية عبر التعطيل وورقة التفاهم مع ميليشيا حزب الله. فمن بالله وجه السعد على من؟ وكم محظوظ أنت يا جنرال؟.
السبب الثاني، الترفع عن المناصب، أتذكر أن العماد عون قبل انتخابات ٢٠٠٩ رفع شعار «عدم توزير الراسبين في الانتخابات»، لكن جبران رغم سقوطه في الانتخابات للمرة الثانية عاد وزيرا للطاقة، والسبب أن باسيل هو من نوعية الرجال الذين تركض وراءهم المناصب لا من يلهثون خلفها.
السبب الثالث، اللغة العربية الرفيعة والفصيحة التي تتجلى فوق المنابر وفي مرابع «تويتر»، فإذا قرأت فكأنك قرأت للجاحظ وابن المقفع والعقاد، وإذا سمعت فكأنك أمام قس بن ساعدة أو مكرم عبيد، أما مضمون الكلام فيذكرك بدائرة المعارف البريطانية أو مكتبة دار الحكمة البائدة.
السبب الرابع، الكاريزما، فهو يدخل القلوب بلا استئذان مثل شعاع شمس يستولي على العيون، خفيف الظل كأنه نسمة باردة في تشرين، طلق المحيا كأنه نجم سينمائي تتمناه كل جوائز الأوسكار، متواضع ودمث وحلو اللسان، فحين تراه تقول: هل هذا جبران؟. صاحب مصداقية، فمنذ تفاهم حزبه (التيار الوطني الحر) مع حزب القوات اللبنانية وتيار المستقبل تحسب الأحزاب الثلاثة حزبا واحدا صلبا صلدا متماسكا.
السبب الخامس، أنه قدم أمثولة استثنائية في النجاح، فانظر إلى كل الوزارات التي تولاها وكل الوعود التي أطلقها، فحين تولى وزارة الاتصالات في لبنان أصبحت أسعار هذا القطاع هي الأرخص عالميا، وجودته أصبحت موضع حسد واقتداء في أمريكا الشمالية وكوريا الجنوبية وأوروبا الوسطى، وحين تولى وزارة الطاقة والمياه، أصبح لبنان مصدرا للمياه، وهو مقبل على عصر النفط والغاز، والأنوار عمت البلاد، وإن لم يكن نور الكهرباء فنور جبران يكفي، أما حين تولى وزارة الخارجية فحدث ولا حرج، لأن جبران هو الوحيد الذي تجاوز شارل مالك وفؤاد بطرس، أما هنري كيسنجر فيراقبه عن كثب ومن بعيد بعينين دامعتين. انظر إلى تعاظم حضور لبنان عربيا وإقليميا ودوليا، عجز دولة الرئيس سعد الحريري عن طلب موعد من وزير الخارجية السوري وليد المعلم، لكن جبران جلس معه واطمأن على صحته، وفي اليونسكو كاد لبنان أن يقلب الطاولة، لكنه خشي من جرح مشاعر الآخرين.
السبب السادس، لا تأخذه في الحق لومة لائم، انظر إلى قضية الموقوف اللبناني في إيران نزار زكا، أشعرنا وزير الخارجية في معالجته للموقف بأن المعتقل هو رئيس جمهورية لبنان لا مجرد رجل أعمال، وانظر إلى قضية شهيد الجيش وابن البترون سامر حنا الذي اغتالته الميليشيا المسماة «حزب الله»، فكدنا أن نظن أنه لا شهيد في العالم إلا سامر، لكن للأمانة دافع جبران، ابن البترون، عن حق سامر كما دافع عن حقوق الشهداء الموتى والأحياء جبران تويني وفرانسوا الحاج وجورج حاوي وسمير قصير وانطوان غانم وبيار الجميل وباسل فليحان وجوزيف صادر ومي شدياق وإلياس المر ود. سمير جعجع. والدليل على ذلك التساؤل الشهير الذي يطرحه جمهور المقاومة: جبران معنا أو ضدنا؟!. وهناك من يقول: يا ويل حزب الله من جبران.
السبب السابع، بغض الطائفية والعنصرية، فهو يتقن ثقافة الوصل لا الفصل، يجيد الانفتاح ويبغض الانعزال والانغلاق، وكأنه هو ومفاهيم المواطنة والوفاق والتسامح والتعايش وتكافؤ الفرص مترادفات واحدة، يعادي نظرية «تحالف الأقليات» الإسرائيلية ثم الإيرانية، ويرفض دمغ المسلمين جميعا السنة خصوصا بتهمة الإرهاب، مؤمن إلى درجة الوله بلبنان الرسالة الذي بشرنا به البابا يوحنا بولس الثاني، فكلما تولى وزارة دفع زعماء المسلمين إلى التساؤل: هل نحن من يرعى مصالح المسلمين أو جبران؟. ويتمنى المسيحيون أن يتحدث جبران مرة عن حقوق المسيحيين، لكن شعاره الأبدي هو حقوق اللبنانيين جميعا.
السبب الثامن، أنه ديموقراطي صميم والعدو الأول للإقطاع والتوريث، إذ فاز برئاسة حزب التيار الوطني الحر بشق الأنفس، وتقبل برحابة صدر سقوطه في الانتخابات النيابية رغم شعبيته الجارفة، ويرفض التعيين على أساس القرابة والشللية والطائفة، ويأبى البتة تعطيل الدولة ولو كانت النتيجة ضده وضد حزبه، ويضحي بنفسه من أجل المصلحة العامة، وهذه صفات رجل دولة عز أن يجود بمثله الزمان.
السبب التاسع، تقدير المرأة إلى حد التطرف، فالتمكين الذي يطالب به أنصار حقوق المرأة مرفوض عند جبران، لأن الهدف هو المساواة المطلقة الأزلية الأبدية السرمدية، وانظر إلى حادثتين، الأولى اجتماعه مع وزير خارجية خليجي على هامش جلسات الأمم المتحدة وإصرار جبران على إنصاف وتقدير الدبلوماسية اللبنانية «كارولين»، والثانية تغريدته الشهيرة: «أنا مع إقرار قانون منح المرأة الجنسية لأولادها لكن مع استثناء السوريين والفلسطينيين للحفاظ على أرضنا».
السبب العاشر، أن كون جبران باسيل سياسيا محنكا، لم يمنعه ذلك من الحفاظ على مسحة إنسانية تدثر السياسة، وهذا ليس غريبا على سياسي ينتمي إلى المدرسة الأخلاقية والمثالية في علم السياسة مثل الرئيس الأمريكي ولسون، والدليل نظرته الرومانسية المرهفة لملف اللاجئين الفلسطينيين والسوريين – والثورة السورية بطبيعة الحال – لدرجة دفعت بعض المواطنين إلى تمني أن يكونوا لاجئين، وهذا ليس غريبا على رئيس حزب ذاق قادته طعم المنفى المر.
السبب الحادي عشر، النزاهة والزهد، إذ يغلب الظن أنه لولا اشتغال جبران بالسياسة، لكان من أثرياء العالم بجوار بيل غيتس وكارلوس سليم، ولله الحمد تتحدث مؤسسات المجتمع المدني في لبنان عن فساد كل السياسيين إلا جبران، وتتحدث كذلك بأن السلطة لم تغيره ولم تخدش منهجه ولم تلتهمه أو يلتهمها وكأنه خارجها.

السبب الثاني عشر، العروبة والمبدأ السيادي الاستقلالي، ونال جبران هذا الشرف بالفعل لا بالكلام، هل أحدثكم عن مناهضة السلاح غير الشرعي أو أحدثكم عن ارتجاف إيران وحرسها الثوري وعميلها بشار الأسد أم أتطرق إلى النضال العميق من أجل الوحدة العربية لدرجة أنه أنسانا كلوفيس مقصود وكمال الحاج وبطرس البستاني، فكلما زار جبران دولة عربية قال العرب: جبران منا أهل البيت. وعروبة جبران لا تتعارض مع نفسه الاستقلالي والسيادي، إذ أعلن انسحاب حزبه من ثورة الأرز بسبب ميوعة قوى ١٤ آذار، وهذه الروح القتالية التي يتحلى بها جبران دفعت بعض رموز ثورة الأرز للغيرة منه مثل د. فارس سعيد والشيخ بطرس حرب و«الريس» دوري شمعون.
لو أردت الاستفاضة في الحديث عن حسنات ومزايا جبران باسيل فأنا بحاجة إلى مجلدات وكتب لا إلى مقالة عابرة، لكنني أختتم حديثي متوجها إلى المسيحيين اللبنانيين عموما والموارنة منهم خصوصا، لا تهدموا رموزكم، ولا تسفهوا أحباركم، فالوزير جبران باسيل امتداد طبيعي وخارق لرموز قل نظيرها وإن اختلفت اتجاهاتها، مثل: البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، سمير فرنجية، جبران خليل جبران، فؤاد أفرام البستاني، يوسف بك كرم، كميل شمعون، فؤاد شهاب وبشير الجميل، فباهوا به بين الأمم وافتخروا بأنفسكم أن جبران منكم وفيكم، وإذ إن الشيء بالشيء يذكر، إنني أتوق إلى اليوم الذي سيصبح فيه جبران باسيل رئيسا لجمهورية لبنان وسيدا لقصر بعبدا، لعل أبو العتاهية يخرج من قبره ليردد أمام جبران ما قاله أمام المهدي: أتته الخلافة منقادة /‏ إليه تجررُ أذيالها فلم تك تصلح إلا له  ولم يك يصلح إلا لها ولو رامها أحد غيره  لزلزلت الأرض زلزالها.

معرض تشكيلي للرئيس بوش الابن في دالاس هل يُطهِّر الفنُ بوش؟

أكتوبر 23, 2017 اضف تعليق
صدق أو لا تصدق. الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، رسام! شيء رائع! قبله جرّب هتلر الرسم، وكذلك تشرشل. وجرّب صدّام كتابة القصة، والقذافي وقبله ماو تسي تونغ الشعر، وجرّب ريغان التمثيل في هوليوود. زعماء يحملون في أصابعهم، وقلوبهم ما يحمله الكتّاب والشعراء والفنانون.

لكن ما حكاية بوش والرسم؟


في 2013 نشر غونسفير سلسلة من الرسائل الإلكترونية الخاصة بعائلة بوش.. وبين الموجودات صور عن لوحات ذاتية لجورج بوش؛ الأولى تحت الدوش، والثانية وهو يتأمل أصابعه في الحمام. إذن بوش الابن رسّام؟ إنه اكتشاف يستحق الكلام والأحاديث وحتى الاستغراب والدهشة. فلا أحد تكهّن بهذه الموهبة، عند بوش، وحتى زوجته؛ ولا هو، أظنّ أقل ميل عنده لهذه «التجربة». كان يفضل أن يمارس هوايته المجهولة في مزرعته في تكساس. فبعدما خرج من البيت الأبيض، بدأ يتملكه الملل.. وبحسب نصائح أحد أصدقائه، يقرأ كتاب ونستون تشرشل «الرسم، وسيلة تمضية وقتي». وما انتهى من الكتاب، حتى أحسّ بأنّه ملكهم. «إذا كان هذا الرجل يستطيع أن يرسم، فأنا كذلك». 


قالها بسخريته المعهودة.


الأسبوع الماضي، على منصة أوديتوريوم مركز جورج بوش الرئاسي في دالاس.. وأمام قاعة مكتظّة، يقدّم أساتذته الثلاثة، وفنانين محليين، جاؤوا يناقشون إنجازاته الفنية. كان هناك نورفليت عام 2012، تتصل به صديقة مشتركة وتقول له: «غيل، عندي تلميذ لك، لكن يحتاج إلى دروس خصوصية وعندما نطقت باسم هذا التلميذ، انعقد لساني». كما تروي.


كان اللقاء الأول غريباً «وضع غيل كان يشير بأنها لم تصوّت لي. علينا القول إن الجو الثقافي والفني لم يكن من المؤيدين لي». كما مزح الرئيس بوش. غيت نورفليت تعترف بأنه «كانت قلقة من ردود فعل أصدقائها». وليست وحدها في هذا الوضع. فزميلاها الآخران يبدو أنهما غير مرتاحين، عندما يمتدحون علناً، وأمام الجمهور، نجابة تلميذهم. 


جورج بوش، مع حربَين وأزمَتين اقتصاديتين في عهده. قال أحد المعلمين «آراءنا السياسية كانت جد متعارضة»، ورد الرئيس بـ«إنها اليوم تقاربت»..


«عند التلميذ الفني هدف محدد» قالت له معلمته جيل «في داخلي رامرانت مسجوناً، ومهمّتك تحريره».


كل إثنين كانت تذهب إلى منزله في دالاس، وتدرّسه نحو ثلاث ساعات تحريك الريشة. وجعلته يكتشف الفنانين الذين يستوحي منهم كثيراً - لوسيا فرويد، واين ثيبود، جامي وايتر، وفي الأوديتوريوم تعرض صُوَر أعمال المرحلة الأولى، أنا خشب، لوحة «بالباشبك».. رسم المبتدئ طلاب العائلة وهرَرِها، في أوضاع مختلفة. بوش لا يعرف قلق اللوحة البيضاء.. بين بورتريهاته واحدة رهيبة تمثّل كلبَي شقيقه مارتن.. «ليس خطأ جورج»، تقول جيل نورفليت «فهذا الكلبان هما حقيقةً الأبشع في العالم».


وعلى خلاف راميرانت، «فالمعلمة» غيل أخرجت من بوش صورة، لم يتخيل أحد أنها موجودة فيه. بالنسبة الى هاوٍ في السادسة والستين، فهو لا يفتقر الى الموهبة، «ما كنت أعتقد أنّه يملك حياة داخلية»، وأقل «صورية فنية»، كما كتب الناقد الفني جيفري سالتز في «نيويورك ماغازين»، بعد «اكتشاف لوحتَي بورتريه عاريتَين». يقول في نفسه «إنه مندهش بعمله. لوحاته بسيطة ومرتبكة بطريقة قوية ورائعة، وغير معقّدة». إنهم يتساءلون عن معنى الحمّام والماء. أهو طقس تطهيري بعد مرحلة البيت الأبيض، أو إنه نوع من المعمودية لشخص مؤمن جداً؟.


ثم انطلق في الإنساني ورسم، انطلاقاً من صور زملائه القدامى: طوني بلير ذو الشفتين الحمراوين، جاك شيراك، برلسكوني بابتسامته، وساركوزي.. من دون أن ننسى فلاديمير بوتين، الذي كانت علاقته به عاصفة، وهذا يفسر الوجه الشمعي، والقاسي.


أما معلمه الثاني، فنان المشاهد، فقد فتح له باب اللون. يقول «إنه مغامر جداً، ويبتكر مزيجاً من ألوان صعبة. وكلّ مرة أقول إن هذا لا يلائم». علمه «الامباستو»، وهي تقنية دقيقة، حيث نصبغ بفرشاة طبقة من الألوان سميكة جداً. وتابع بوش دروساً مع سيدريك هوكابي، رسام بورتريه شاب.. فهو الذي أوحى إليه رسم «المجهولين»، «كان متحمّساً، وجمع صوراً فوتوغرافية». والمعروف أن الرئيس المتقاعد أطلق مبادرات عدة لمساعدة جنود من العراق وأفغانستان التطبيع مع الحياة المدنية. كل عام، ينظّم من أجلهم سباق دراجات في مزرعته ودورة غولف.


وقد رسم من هؤلاء 98 عملاً، وعرضها في «المركز الرئاسي بوش» تحت عنوان «بورتريهات الشجاعة» بعضهم باقدام مركبة كلياً، مثل السرجنت ساول مارتينيز، رسمه وهو يلعب الغولف على رجليه المركبتين. الآخرون ذوو وحدة قاتمة، معبّرة، مشكّلة بضربات كبيرة من الغواش تظهر الندوب المرئية وغير المرئية.


ليست كل اللوحات ناجحة، لكن هذه الوجوه المكسورة مؤثرة «تجاوز تشرشل» يقول غيل نورفليت. الناقد الفني في «النيويوركر» كانت إشادته أكبر «الفن من نوعية كبيرة بالنسبة إلى مبتدئ». «نظرة بوش وحركة يده تطوّرتا كثيراً منذ مرحلة العُراة».


يقول بوش في كاتالوغ المعرض «أرسم هؤلاء الرجال والنساء لتكريمهم وإظهار احترامي لشجاعتهم». أما الكتاب، الذي يعود ريعه إلى المحاربين القدامى، فيتصدر لائحة المبيعات في «نيويورك تايمز». الآن عنده ناشر أفضل مما كان عند مونيه؟ أم، لأن هذا الزمن زمن الترامبية المظفرة، تحس أميركا بنوع من الحنين المفاجئ نحو «43»؟ إلا إذا كانت تلك الوجوه التي رسمها هي حية بشكل رهيب.


إذاً، من مرحلة «العراة»، فوجُوه «المشهورين»، فوجُوه «المجهولين».. إلى تكريم «الجنود القدامى»، يخطو بوش بخطى الهاوي، لكن بلقيات جميلة، مما فضّله بعضهم على تشرشل، (هتلر اعتمد الرسم قبل وصوله إلى السلطة) وتشرشل وبوش أثناء «ضجر» التقاعد.


لكن ماذا يقول الأميركيون عن «إحساسات» بوش الفنية وبنزعاتها الإنسانية المفاجئة؛ أيباركونه، أيُغيّرون نظرتهم فيه (وهو الرئيس الأقل شعبية في تاريخ الولايات المتحدة؟).


وإذا انطلقنا من التعليقات، والانتقادات، فليس كل الأميركيين جاهزين لمنحه الغفران «لا شيء يعادل ضربة فرشاة أو لوحة لتغطية الجرائم التي ارتكبها ضد الإنسانية»، كما لاحظ أحدهم على الانترنت. «يجب أن يرسم نفسه في الجحيم»، يعلّق آخر. لكن لتجربته رغم كل ذلك «فضائل تطهيرية بالنسبة إلى الجنود». مايكل رودريغيز، أحد «قدامى القوى الخاصة» «خرج من هذه الحالات الحربية بصداع دائم في الرأس، وبانهيار عصبي، وبمشاكل طبية بصرية، كان يضع نظارات سوداء ليحمي عينيه من الضوء وينعزل»، حتى التقى بالرئيس بوش «بوش جعلني أعي ما فاتني، وهذا شجعني على إعادة ربط علاقاتي بالمقرّبين مني»، وفي المعرض صرّح «إنه لشرف مؤثر. فقد بذل الرئيس وقتاً لرسمي وكتابة نص.. صراحة أنا أفضل حالاً الآن».


عندما انطلق بوش في الرسم قال «بدأت أرى العالم مختلفاً. صارت الظلال ألواناً».


فيا ليته توجّه إلى الرسم أبكر..


إعداد وتقديم بول شاوول 


السيستاني إذ يفصل بين الوطنيّة والكراهيّة والمغامرة

أكتوبر 22, 2017 اضف تعليق
فخري كريم

خرج المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، عبر خطبة ممثله في كربلاء يوم الجمعة الماضي، بما يراه حصانة للعراقيين في لحظة انفلات المشاعر والضغائن وتصاعد أدوار المشتبه بوطنيتهم المحرضين من وراء ستار خيباتهم لتصديع إرادة الوطن والتمكّن من إمرار مغامرتهم اليائسة بالانقلاب على الدستور، في الرد على مخالفته، وخلط الاوراق وإسقاط الأمل بإمكانية استرجاع المبادرة والاحتكام للعقل والحكمة .
إنها ليست المرة الاولى التي يثبت فيها السيستاني أنه مرجع كل العراقيين، خلافاً لأولئك الذين يناكفون مرجعيته في كل سلوكهم وأدوارهم ونهجهم السياسي. وكما في منعطفات خطيرة واجهتها البلاد سابقاً، أقدم السيد هذه المرة أيضاً على وضع النقاط على الحروف في تحديد سبل مواجهة المخاطر التي تعصف بالبلاد، وفي وجهة حل الإشكالات والاختلافات باعتماد الحوار، والانطلاق من الحرص على الوحدة الوطنية، وتجنب كل ما يصدعها ويعمق مظاهر الافتراق .
وهو إذ يؤكد على سقف الدستور ومراعاته في معالجة الخلل والاختلاف والحفاظ على وحدة البلاد، لا يفوته التنبيه الى أن تحقيق الاهداف الوطنية منوط بالتزام الجميع بالثوابت وعدم التجاوز عليها، واذا ما تطلب ذلك إجراء تغيير فلابد ان يجري في إطار ما يحدده الدستور من مسار وضوابط لأي تعديل. وهو بذلك يشير الى ما يريد البعض من تجاوز كيفي على الدستور، تحت تأثير الهيجان وصيحات الثأر والوقيعة من تلك الاوساط التي تبطن عدم الولاء والتبعية لمرجعيته، بل إنّ بعضها يجهر بمثل هذا الموقف، مستفزاً مشاعر العراقيين والشيعة منهم على الأخص ممن يجدون في السيد مرجعهم الأعلى .
والسيد السيستاني يقتفي أثر إمامه على بن أبي طالب الذي يفصل بين مقتضى الدين وألاعيب السياسة، حتى حينما كان خليفةً للمسلمين، بخلاف ما هو عليه نهج القيادات السياسية الحالية التي لا تتورع عن الانغماس في " كل عارٍ باعتباره ليس عيباً" ما دام يحقق لهم مطامعهم ويغطي على سوءاتهم ويحمي مفاسدهم ومصالحهم ويغطي على ارتكاباتهم الاجرامية بحق العراقيين .
بتوجيهه الكرد بالعمل على وحدة صفوفهم، والحفاظ على العراق الموحد، وحل مشاكلهم مع الحكومة الاتحادية تحت سقف الدستور، يظهر السيد السيستاني مرة أخرى انه يقف على مسافة واحدة من جميع العراقيين على اختلاف مكوناتهم ومشاربهم السياسية والفكرية، وهو ما فعله بوضوح إبان المواجهات الطائفية التي كادت أن توقع البلاد في الحرب الاهلية، وكذلك تصديه لأولئك الذين أوقعوا البلاد في سلسلة لم تنقطع حتى الآن من الازمات المستدامة على كل صعيدٍ وميدان وطني من دون رادعٍ يضع حداً لعبثهم ومحاولاتهم للاستفادة من كل فرصة لتحقيق أطماعهم على الضد من الإرادة والمصالح الوطنية العليا .
لقد بات واضحاً أن البعض من رموز الفساد وتخريب العراق، وجُلّهم من حملة الجنسيات الأجنبية، يجدون في إجراء الاستفتاء في كردستان من طرف واحد رغم المعارضة الداخلية والخارجية، كفيل بتمزيق الدستور وحرقه وإحكام السيطرة على مقدرات العراق والتعتيم على ذاكرة العراقيين لنسيان جرائمهم وسرقاتهم ونهبهم، والتفرغ لتقاسم مغانم الحرب الجديدة، والسعي للدفع بهذا الاتجاه، مع أنّ إعادة انتشار للقوات الاتحادية في المناطق المتنازع عليها قد جرى الاتفاق عليه سلفاً .
ومن هنا تأتي الأهمية الاستثنائية لتوجهات السيد السيستاني وتأكيده على حماية وحدة العراق، باعتماد سقف الدستور، وباتباع الأساليب السلمية. وهذه الدعوة تأتي لتردّ بوضوح على مروجي الكراهية والاحقاد وإهراق دم العراقيين ولتجعل من هؤلاء، اذ يخالفون هذا المنهج الديني الوطني، في خانة المتآمرين على وحدة العراق والقيم الوطنية للعراقيين بعربهم وكردهم وتركمانهم، مسلمين ومسيحيين وإيزديين وصابئة وسواهم .
إنّ السيد السيستاني، بخطاب وكيله، رفع الغطاء عن القادة الذين يتعاملون مع السياسة كمهنة لا تعتبر العار عيباً ، ويميزهم عن الوطنيين الذين يتمسكون بالمصالح الوطنية العليا، ويعتبرون كل ممارسات مُمتهني السياسة من النهب والسرقة ومصادرة الإرادة ولجان الاحزاب لتحصيل "الكوميشن" والتلاعب بالشعائر الدينية والمذهبية والتبعية للأجنبي، أياًّ كان، .. عيباً وعاراً .!

12 وفداً عربياً في اسرائيل: استدراج "المطبّعين" عبر "فايسبوك"

أكتوبر 22, 2017 اضف تعليق
 أدهم مناصرة


"في الأعوام الماضية استطعنا دعوة 12 وفداً من دول عربية؛ بينها العراق وتونس وكردستان والمغرب ومصر".. حقاً، لم تفاجئنا هذه الجملة التي حاول الناطق باللغة العربية باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، حسن كعبية، أن يُفاخر من خلالها بعضلات إسرائيل الفايسبوكية والتي بفضلها تلمع صورتها في المحيط العربي، كما يدعي في سياق حديثه لموقع "مكور ريشون" الإسرائيلي أخيراً.


 والواقع أن اسرائيل استقدمت فعلاً العديد من زيارات "التطبيع العربية" لوفود وشخصيات في السنوات الخمسة الأخيرة سواء كانت معلنة أو سرية، رسمية أو فردية. لكن اللافت أن الإعلام الإسرائيلي كان يهتم بإيعاز من السلطة السياسية والأمنية بالإعلان عنها كما لو انها بمثابة خبر يستحق النشر والإذاعة.

وتنوعّت طبيعة الشخصيات العربية التي دعتها اسرائيل لزيارتها، سواء عبر بوابة الخارجية الإسرائيلية أو غيرها من الجهات الرسمية والأكاديمية والبحثية في تل ابيب والقدس، فنجد أن اكاديمياً عربياً جاء ليلقي محاضرة في مركز ثقافي داخل اسرائيل، وآخر جاء مهرولاً تحت عنوان التعاون في "أبحاث علمية مشتركة"، مروراً بفئات تم استقدامها من قبل مركز "بيريز للسلام" حيثُ تم تسويقها كصاحبة فكر متنور من شأنه أن يعزز السلام بالمنطقة.

واستضافت اسرائيل أيضاً فنانين من المغرب، على سبيل المثال لا الحصر، ليحيوا حفلاً موسيقياً وغنائياً في "بيت الكرمل" بمدينة حيفا.

كما وكان للمعارضَيْن السوريَيْن عصام زيتون والكُردي سيروان كاجو، فرصة في هذا السياق عندما قدما إلى اسرائيل في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بدعوة من "معهد ترومان" التابع لـ "الجامعة العبرية" في القدس، في زيارة أثارت غضب الطلبة الفلسطينيين الذين اعتبروا ان الوفد لا يمثّل المعارضة السورية وان في الزيارة "نوعاً من الاعتراف بإسرائيل". فرد أحد الزائرين بالقول للفلسطينيين الغاضبين: "وضعكم أحسن من وضعنا في سوريا وباقي الدول العربية، انتم بأفضل حال هنا. ماذا ينقصكم؟".

ولعل في هذه العبارة تجد تل ابيب فيها ضالَّتها، فهي مربط الفرس بالنسبة لها من وراء تنظيم "زيارات العرب التطبيعية"، وخاصة عندما تجعلهم يرون بعيون اسرائيلية حصراً؛ ذلك أنهم يطلعون على ما تعرضه هي فقط، فتغسل أدمغتهم وتغير مواقفهم بشكل معاكس تماماً، علّهم يؤثرون على الأقربين ومحيطهم وما بعدهم عندما يعودون إلى بلادهم فينضمون إلى دعاية إسرائيل المزعومة والقائلة "إن إسرائيل مليئة بالخير والإحسان وتُحسن إلى الفلسطينيين والعرب، وهي ليست كما يُقال عنها"، على حد الإدعاء.

مراقبون مهتمون بالشأن الإسرائيلي يؤكدون أنه من الخطأ الإستهتار بقدرات اسرائيل في اقناع بعض الأطياف العربية للقدوم إليها انطلاقاً من منصات التواصل الإجتماعي، عبر اللعب على وتر أنهم مهمشون في بلادهم بفعل أنظمتهم وحكامهم، وأن اسرائيل تهتم لهم وتساعدهم.  

وتحاول الصفحة الرسمية الخاصة بالخارجية الإسرائيلية في فايسبوك أن تؤدي دوراً بارزاً في هذا السياق المرتبط بتبييض صورة اسرائيل في المنطقة، إذ تتحدث لهذه الفئة بلغة مهذبة وجذابة (وإن كانت مصطنعة ومسرحية) بهدف إقناعها وايقاعها في شباك التطبيع الإفتراضي أولاً، ثم الواقعي إذا ما سنحت الفرصة ذات يوم.

ويقول الصحافي المقيم داخل الخط الأخضر، سهيل كيوان، لـ"المدن" إنه يلمس باستمرار من بعض العرب الذين يلتقيهم ويتواصل معهم مقولة :"انتم تعيشون بشكل جيد في اسرائيل، فماذا ينقصكم؟"، ثم يلجأون إلى مقارنات غير منطقية بهذا الشأن. ويبررون مَيلهم للتطبيع، بأن السلطة الفلسطينية نفسها تطبع مع اسرائيل وتقيم علاقات معها بعد اتفاق اوسلو عام 1994، ثم يطرحون تساؤلاً: "لماذا ممنوع علينا أن نلبي دعوة الزيارة لإسرائيل التي لن تضر بشيء؟!".

المختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد يرى أن عدد الوفود والشخصيات التي تأتي إلى اسرائيل في السنوات الأخيرة اكثر مما هو معلن، ذلك ان العديد منها يتخذ الطابع السري، ولكن لاسرائيل مصلحة بالإعلان عن هذه الزيارات رغم ان جزءاً من الوفود لم يكن معنياً بكشف مجيئه إلى هنا. 

ويضيف شديد في حديث لـ"المدن" على أن اهتمام اسرائيل بإنشاء مواقع رسمية في فايسبوك وتويتر، والنشر والتغريد باللغة العربية، يهدف إلى تعميق التواصل مع العرب و"تبييض صورة اسرائيل أمامهم"، من أجل تحقيق مصالح عدة؛ اولها، أن هناك مصلحة تندرج في إطار منافسة اليمين للوسط واليسار في اسرائيل، عبر ايصال رسالة مفادها: "الحكومة التي تتهمونها بالتطرف والإضرار بإسرائيل، ها هي اكثر اختراقا للمنظومة العربية والاسلامية مقارنة بسابقاتها من الحكومات".

فيما تتجلى المصلحة الثانية في رسالة للفلسطينيين عبر ضرب معنوياتهم وإرادتهم الوطنية، عبر القول "إن هذه الامة العربية والإسلامية التي تُعولون عليها، تهرول باتجاه تطبيع العلاقة مع اسرائيل، ولم تعد تعنيها القضية الفلسطينية".

 كما وتحقق اسرائيل المصلحة الثالثة من زيارات التطبيع وإن كان قسمٌ منها على مستوى فردي، عبر توجيه رسالة للخصوم الاقليميين وخاصة ايران ومحورها، فهي تريد ان تُروّج للعلاقة المتنامية مع الدول العربية، بل وتتعزز يوماً بعد يوم، رغماً عما تصفه بالمحور المُعادي.

الغريب أن الجانب الرسمي الفلسطيني يلتزم الصمت إزاء زيارات "التطبيع" التي تجرى إلى إسرائيل، كما ولا تُوظف السلطة صفحاتها الرسمية في فايسبوك وتويتر وبشكل يومي ولحظي، بالمستوى المطلوب لقطع الطريق على ما تقوم به الصفحات الرسمية الإسرائيلية من تواصل يومي مع العرب وبلغتهم ولهجاتهم.

وتُظهر المعطيات الرقمية للصفحات الرسمية الإسرائيلية على مواقع التواصل الإجتماعي حجم المخاطر التي تنطوي عليها هذه الصفحات المُوجهة للرأي العام العربي، إذ أن صفحة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية، افيخاي ادرعي، في فايسبوك يوجد فيها أكثر من مليون ومئتي الف متابع، فيما تضم صفحته في "تويتر"  170 ألف متابع، وفي "انستغرام" حوالي 10 آلاف متابع.

اما صفحة "المنسق" والتي تدار من قبل طاقم منسق الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية الجنرال يوآف مردخاي، فتجاوز عدد متابعيها حاجز "مئتين وثلاثين ألف" خلال نصف عام، ويبلغ متوسط المرور على كل منشور على صفحته نحو 56,124 مستخدم، ويدخل نحو مليون وتسعمئة الف شخص إلى صفحته أسبوعياً، بحسب تقارير اسرائيلية.

المصدر المدن

لبنان: ترك ملف عودة النازحين السوريين للجنة الوزارية يتيح فصله عن لعبة المحاور والمزايدة الداخلية؟

أكتوبر 22, 2017 اضف تعليق
بيروت- وليد شقير
 (الحياة)

تقول مصادر وزارية لبنانية إن عدم حصول رئيس الجمهورية ميشال عون على أجوبة مرضية من سفراء الدول الكبرى أثناء اجتماعه معهم الإثنين الماضي من أجل دعوة حكومات بلدانهم والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية إلى معالجة أزمة النازحين السوريين، قد يكون وراء قوله في جلسة مجلس الوزراء أول من أمس بضرورة «تكوين نظرة واحدة حيال طريقة معالجة أزمة النازحين»، ودعوته إلى تفعيل عمل اللجنة الوزارية الخاصة بالنازحين واتخاذ المزيد من الإجراءات لضبط الحدود.

ولاحظت المصادر نفسها أن تشديد الرئيس عون على «تكوين نظرة واحدة» لمعالجة هذه الأزمة هو تسليم منه بأن هناك خلافا بين المسؤولين اللبنانيين حول مقاربة المسألة، لا سيما بين فريقه وحلفائه الذين يدعون إلى التواصل مع الحكومة السورية من أجل إعادة هؤلاء النازحين إلى سورية، وبين رئيس الحكومة سعد الحريري الرافض مبدأ التواصل مع الحكومة السورية وحجة إعادة النازحين من أجل تطبيع العلاقات مع نظام الرئيس بشار الأسد، مستندا إلى أن أي عودة يجب أن تتم بالتنسيق مع الأمم المتحدة ووفق معاييرها.
وذكرت مصادر وزارية متعددة لـ «الحياة» أن اجتماع الرئيس عون وسفراء الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن شهد نقاشاً حول سبل إعادة النازحين حيث عرض بعض هؤلاء شروط العودة التي اعتبروها غير آمنة حتى الآن، على رغم «تفهمهم الكامل للمخاوف التي يعرب عنها المواطنون اللبنانيون»، وفق ما جاء في بيان الأمم المتحدة عن الاجتماع. وأكد البيان أن «عودة النازحين ينبغي أن تتم في أمان وكرامة وطوعية، وفقاً لمبادئ القانون الدولي»، مشيرين إلى أن «أن غالبية اللاجئين يريدون العودة ولا يعتبرون الاندماج المحلي في لبنان خياراً».
إلا أن المصادر الوزارية قالت إنه على رغم عدم رضا الرئيس عون عن أجوبة السفراء وممثلي الأمم المتحدة حول البدء بإجراءات لإعادتهم، فإن إلحاحه على الأمر وشكواه من عدم إيفاء المجتمع الدولي بالتزاماته المالية حيال لبنان لمساعدته على مواجهة تداعيات النزوح، ربما تشكل دافعا للدول الرئيسة كي تقدم ما سبق أن وعدت به لبنان من مبالغ لمواجهة عبء النازحين.

«حماية الحقوق وعدم التعذيب»
وتوضح مصادر متابعة لملف النازحين التباين حول العودة بالقول إن المعيار الأساسي للأمم المتحدة الذي تلتزم به سائر الدول هو أن تتم «العودة الطوعية بصفتها حلاً نهائياً» وأن الهدف الأول من العودة الطوعية هو استعادة الحماية الوطنية لهؤلاء، وأنها تعني ضمان «الأمان الجسدي والقانوني والعملي للنازحين العائدين» إلى المناطق التي تعتبر آمنة وهذا يشمل «الحق بالحرية والأمن والحماية من التعذيب والعنف وضمانه هذا الحق من قبل السلطات في مناطق العودة». كما يشمل بحسب وثائق المفوضية العليا للاجئين، «عدم التمييز في الحصول على الحق في الحصول على الوثائق الشخصية وترميم الممتلكات والإفادة من قوانين العفو ومن الأنظمة القانونية المرتبطة بالجنسية، إضافة إلى تسهيل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية واللجوء إلى القضاء، والضمان الصحي وسائر الفرص التي على السلطات تأمينها»... كما تشدد هذه المعايير الدولية على أن تحفظ العودة «كرامة» العائدين، خصوصاً إذا كانوا جماعات ومساواتهم مع غيرهم من المقيمين.
ولم تستبعد المصادر أن يكون السفراء تناولوا بعض هذه المبادئ مع الرئيس عون خلال لقائه بهم.
أما في الشق السياسي المرافق لإلحاح بعض الفرقاء اللبنانيين على التواصل مع الحكومة السورية من أجل العودة، بحجة أن الوضع استتب في العديد من المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام أخيراً، وأن بقاء الأسد في الحكم قد حسم، فإن مصادر سورية معنية بمتابعة مسألة العودة تشير إلى المعلومات الآتية استناداً إلى اتصالاتها مع دول مانحة سيكون لها دور في مرحلة ما بعد الحلول السياسية تشير إلى المعطيات الآتية:
1- إن عودة مجموعات من النازحين في لبنان إلى بعض المناطق السورية ستقود حُكماً إلى شطبهم من لوائح المساعدات التي يتلقونها على الأراضي اللبنانية. وهي مساعدات لن تنتقل معهم إلى سورية. وإذا عاد الوضع الأمني فتدهور في مناطق العودة وأجبر النازحون على العودة إلى لبنان، فإن المساعدات التي كانوا يتلقونها تكون قد شطبت ولن تعود إليهم أيضاً.
2- إن منظمات المجتمع المدني الآتية من بلدان أوروبية، والعاملة على الأراضي السورية منذ سنوات لمساعدة نازحي الداخل، أبلغت السلطات السورية الرسمية والأمم المتحدة قبل زهاء شهر، أنها قررت خفض مساعداتها 40 في المئة بعد التقدم الذي حصل في التخلص من «داعش» في ميادين مهمة، وإقامة مناطق خفض التصعيد في آستانة، ومع بدء الحديث عن تمهيدات روسية لحل سياسي يشمل بقاء الأسد في الرئاسة. وحين سألت شخصيات سورية تعول على مساعدات هذه المنظمات عما إذا كانت تعيد النظر بقرارها إذا جرى تقديم مشاريع محددة لها تعنى بالوضع الاجتماعي، كان الجواب أن تمويلها أي مشروع يرتبط بمدى ارتباطه بعملية «الانتقال» في الوضع السياسي. وتعبير «الانتقال» بالنسبة إلى هذه المنظمات لا يعني بالضرورة الحكم الانتقالي بالمعنى السياسي، بل يقصد به ما ينجم عن هذا الانتقال من تغييرات على الصعد القانونية والاجتماعية... في مرحلة ما بعد انتهاء النزاع. لكن هذا مرتبط بالانتقال السياسي أيضاً.

أسئلة حول إعادة الإعمار
3 - إن استعجال بعض الأوساط الحديث عن بدء إعادة إعمار سورية دفع بممثلي دول غربية معنية بالاستثمار إلى طرح أسئلة وشروط من نوع: ماذا يضمن أن تسمح الأنظمة القانونية والمالية للشركات التي تدخل سورية بهدف إعادة الإعمار ببقائها وعدم انكفائها بعد أن تكون وظفت أموالاً لدخول البلد؟ ما الذي يضمن بعد مدة من دخول المستثمرين في الإعمار ألا تعود مرة أخرى الأسباب ذاتها التي أدت إلى الدمار ومعها القتال والمصائب التي حلت بسورية؟ هل ستقوم السلطات السورية بتغيير دور الأجهزة الأمنية في إدارة أوجه الشأن العام؟ ومتى تمكن عودة النازحين؟... إلخ. وهذه أسئلة موجهة إلى الأمم المتحدة وإلى الراعي الأساسي المفترض لتطبيع الوضع في سورية عبر الحل السياسي، أي روسيا.
وتقول مصادر سورية معنية أن لا أجوبة بعد على كل هذه الأسئلة والشروط وغيرها، وأن عنوان «إعادة الإعمار» دخل بهذا المعنى اللعبة السياسية التي ترافق الجهود المعقدة لإحياء المفاوضات السياسية التي تسعى موسكو إلى إطلاقها، وفق تأكيد الرئيس فلاديمير بوتين، وسط تشابك عوامل التدخلات الخارجية في الميدان السوري والتي تزيدها تعقيداً الخطوات التي بدأها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد نفوذ إيران في المنطقة، لا سيما في سورية.
وتشير مصادر وزارية لبنانية في هذا السياق إلى توجه مجلس الوزراء أول من أمس، لإعادة الملف إلى اللجنة الوزارية المعنية بشؤون النازحين برئاسة الحريري ربما يتيح فصل البحث بموضوع العودة عن المرامي السياسية لفريق لبناني يريد جر لبنان إلى المحور الإيراني- السوري الذي ينتمي إليه، وبعد الأجوبة التي تلقاها الرئيس عون من سفراء الدول الكبرى، وبعد أن اصطدم إصراره خلال زيارته فرنسا على عدم انتظار الحل السياسي من أجل إعادة النازحين، بتأكيد الرئيس إيمانويل ماكرون أن العودة مرتبطة بالحل السياسي الذي يسعى إليه عبر ما سماه مجموعة الاتصال الدولية.
وترى المصادر إيّاها أن توحيد الرؤية حول إعادة النازحين ربما تسمح أيضاً بفصل هذا العنوان عن الخلاف بين فريقين لبنانيين عريضين في شأن التواصل مع الحكومة السورية، باعتبار العودة مرتبطة بمشروع دولي أكبر من قدرات لبنان وإمكاناته في التأثير على مجرى الأمور. وتترقب أوساط سياسية ما إذا كان يمكن فصل البحث في العودة، على الأقل لمجموعات سورية موالية للنظام، عن المزايدات السياسية الداخلية التي حملت رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل إلى لقاء نظيره السوري وليد المعلم في نيويورك، من أجل التماهي والتطابق مع حليفه «حزب الله» حول مطلب التواصل مع نظام دمشق لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، ما أدى به إلى الذهاب بعيداً في تبرير ذلك عبر حملة أخذت طابعاً تحريضياً تسببت بردود فعل سلبية حتى من حلفائه في «القوات اللبنانية»، وباعتراضات حتى من زملاء له في «التيار الحر».