معرض تشكيلي للرئيس بوش الابن في دالاس هل يُطهِّر الفنُ بوش؟

أكتوبر 23, 2017
صدق أو لا تصدق. الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، رسام! شيء رائع! قبله جرّب هتلر الرسم، وكذلك تشرشل. وجرّب صدّام كتابة القصة، والقذافي وقبله ماو تسي تونغ الشعر، وجرّب ريغان التمثيل في هوليوود. زعماء يحملون في أصابعهم، وقلوبهم ما يحمله الكتّاب والشعراء والفنانون.

لكن ما حكاية بوش والرسم؟


في 2013 نشر غونسفير سلسلة من الرسائل الإلكترونية الخاصة بعائلة بوش.. وبين الموجودات صور عن لوحات ذاتية لجورج بوش؛ الأولى تحت الدوش، والثانية وهو يتأمل أصابعه في الحمام. إذن بوش الابن رسّام؟ إنه اكتشاف يستحق الكلام والأحاديث وحتى الاستغراب والدهشة. فلا أحد تكهّن بهذه الموهبة، عند بوش، وحتى زوجته؛ ولا هو، أظنّ أقل ميل عنده لهذه «التجربة». كان يفضل أن يمارس هوايته المجهولة في مزرعته في تكساس. فبعدما خرج من البيت الأبيض، بدأ يتملكه الملل.. وبحسب نصائح أحد أصدقائه، يقرأ كتاب ونستون تشرشل «الرسم، وسيلة تمضية وقتي». وما انتهى من الكتاب، حتى أحسّ بأنّه ملكهم. «إذا كان هذا الرجل يستطيع أن يرسم، فأنا كذلك». 


قالها بسخريته المعهودة.


الأسبوع الماضي، على منصة أوديتوريوم مركز جورج بوش الرئاسي في دالاس.. وأمام قاعة مكتظّة، يقدّم أساتذته الثلاثة، وفنانين محليين، جاؤوا يناقشون إنجازاته الفنية. كان هناك نورفليت عام 2012، تتصل به صديقة مشتركة وتقول له: «غيل، عندي تلميذ لك، لكن يحتاج إلى دروس خصوصية وعندما نطقت باسم هذا التلميذ، انعقد لساني». كما تروي.


كان اللقاء الأول غريباً «وضع غيل كان يشير بأنها لم تصوّت لي. علينا القول إن الجو الثقافي والفني لم يكن من المؤيدين لي». كما مزح الرئيس بوش. غيت نورفليت تعترف بأنه «كانت قلقة من ردود فعل أصدقائها». وليست وحدها في هذا الوضع. فزميلاها الآخران يبدو أنهما غير مرتاحين، عندما يمتدحون علناً، وأمام الجمهور، نجابة تلميذهم. 


جورج بوش، مع حربَين وأزمَتين اقتصاديتين في عهده. قال أحد المعلمين «آراءنا السياسية كانت جد متعارضة»، ورد الرئيس بـ«إنها اليوم تقاربت»..


«عند التلميذ الفني هدف محدد» قالت له معلمته جيل «في داخلي رامرانت مسجوناً، ومهمّتك تحريره».


كل إثنين كانت تذهب إلى منزله في دالاس، وتدرّسه نحو ثلاث ساعات تحريك الريشة. وجعلته يكتشف الفنانين الذين يستوحي منهم كثيراً - لوسيا فرويد، واين ثيبود، جامي وايتر، وفي الأوديتوريوم تعرض صُوَر أعمال المرحلة الأولى، أنا خشب، لوحة «بالباشبك».. رسم المبتدئ طلاب العائلة وهرَرِها، في أوضاع مختلفة. بوش لا يعرف قلق اللوحة البيضاء.. بين بورتريهاته واحدة رهيبة تمثّل كلبَي شقيقه مارتن.. «ليس خطأ جورج»، تقول جيل نورفليت «فهذا الكلبان هما حقيقةً الأبشع في العالم».


وعلى خلاف راميرانت، «فالمعلمة» غيل أخرجت من بوش صورة، لم يتخيل أحد أنها موجودة فيه. بالنسبة الى هاوٍ في السادسة والستين، فهو لا يفتقر الى الموهبة، «ما كنت أعتقد أنّه يملك حياة داخلية»، وأقل «صورية فنية»، كما كتب الناقد الفني جيفري سالتز في «نيويورك ماغازين»، بعد «اكتشاف لوحتَي بورتريه عاريتَين». يقول في نفسه «إنه مندهش بعمله. لوحاته بسيطة ومرتبكة بطريقة قوية ورائعة، وغير معقّدة». إنهم يتساءلون عن معنى الحمّام والماء. أهو طقس تطهيري بعد مرحلة البيت الأبيض، أو إنه نوع من المعمودية لشخص مؤمن جداً؟.


ثم انطلق في الإنساني ورسم، انطلاقاً من صور زملائه القدامى: طوني بلير ذو الشفتين الحمراوين، جاك شيراك، برلسكوني بابتسامته، وساركوزي.. من دون أن ننسى فلاديمير بوتين، الذي كانت علاقته به عاصفة، وهذا يفسر الوجه الشمعي، والقاسي.


أما معلمه الثاني، فنان المشاهد، فقد فتح له باب اللون. يقول «إنه مغامر جداً، ويبتكر مزيجاً من ألوان صعبة. وكلّ مرة أقول إن هذا لا يلائم». علمه «الامباستو»، وهي تقنية دقيقة، حيث نصبغ بفرشاة طبقة من الألوان سميكة جداً. وتابع بوش دروساً مع سيدريك هوكابي، رسام بورتريه شاب.. فهو الذي أوحى إليه رسم «المجهولين»، «كان متحمّساً، وجمع صوراً فوتوغرافية». والمعروف أن الرئيس المتقاعد أطلق مبادرات عدة لمساعدة جنود من العراق وأفغانستان التطبيع مع الحياة المدنية. كل عام، ينظّم من أجلهم سباق دراجات في مزرعته ودورة غولف.


وقد رسم من هؤلاء 98 عملاً، وعرضها في «المركز الرئاسي بوش» تحت عنوان «بورتريهات الشجاعة» بعضهم باقدام مركبة كلياً، مثل السرجنت ساول مارتينيز، رسمه وهو يلعب الغولف على رجليه المركبتين. الآخرون ذوو وحدة قاتمة، معبّرة، مشكّلة بضربات كبيرة من الغواش تظهر الندوب المرئية وغير المرئية.


ليست كل اللوحات ناجحة، لكن هذه الوجوه المكسورة مؤثرة «تجاوز تشرشل» يقول غيل نورفليت. الناقد الفني في «النيويوركر» كانت إشادته أكبر «الفن من نوعية كبيرة بالنسبة إلى مبتدئ». «نظرة بوش وحركة يده تطوّرتا كثيراً منذ مرحلة العُراة».


يقول بوش في كاتالوغ المعرض «أرسم هؤلاء الرجال والنساء لتكريمهم وإظهار احترامي لشجاعتهم». أما الكتاب، الذي يعود ريعه إلى المحاربين القدامى، فيتصدر لائحة المبيعات في «نيويورك تايمز». الآن عنده ناشر أفضل مما كان عند مونيه؟ أم، لأن هذا الزمن زمن الترامبية المظفرة، تحس أميركا بنوع من الحنين المفاجئ نحو «43»؟ إلا إذا كانت تلك الوجوه التي رسمها هي حية بشكل رهيب.


إذاً، من مرحلة «العراة»، فوجُوه «المشهورين»، فوجُوه «المجهولين».. إلى تكريم «الجنود القدامى»، يخطو بوش بخطى الهاوي، لكن بلقيات جميلة، مما فضّله بعضهم على تشرشل، (هتلر اعتمد الرسم قبل وصوله إلى السلطة) وتشرشل وبوش أثناء «ضجر» التقاعد.


لكن ماذا يقول الأميركيون عن «إحساسات» بوش الفنية وبنزعاتها الإنسانية المفاجئة؛ أيباركونه، أيُغيّرون نظرتهم فيه (وهو الرئيس الأقل شعبية في تاريخ الولايات المتحدة؟).


وإذا انطلقنا من التعليقات، والانتقادات، فليس كل الأميركيين جاهزين لمنحه الغفران «لا شيء يعادل ضربة فرشاة أو لوحة لتغطية الجرائم التي ارتكبها ضد الإنسانية»، كما لاحظ أحدهم على الانترنت. «يجب أن يرسم نفسه في الجحيم»، يعلّق آخر. لكن لتجربته رغم كل ذلك «فضائل تطهيرية بالنسبة إلى الجنود». مايكل رودريغيز، أحد «قدامى القوى الخاصة» «خرج من هذه الحالات الحربية بصداع دائم في الرأس، وبانهيار عصبي، وبمشاكل طبية بصرية، كان يضع نظارات سوداء ليحمي عينيه من الضوء وينعزل»، حتى التقى بالرئيس بوش «بوش جعلني أعي ما فاتني، وهذا شجعني على إعادة ربط علاقاتي بالمقرّبين مني»، وفي المعرض صرّح «إنه لشرف مؤثر. فقد بذل الرئيس وقتاً لرسمي وكتابة نص.. صراحة أنا أفضل حالاً الآن».


عندما انطلق بوش في الرسم قال «بدأت أرى العالم مختلفاً. صارت الظلال ألواناً».


فيا ليته توجّه إلى الرسم أبكر..


إعداد وتقديم بول شاوول 


شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة